محظرة الشيخ ولد حم الصعيدي.. أجيال من العلماء ورياض من الأدب والمكارم
محظرة الشيخ ولد حم الصعيدي.. أجيال من العلماء ورياض من الأدب والمكارم-
نهاية 1952 استقبلت الأسرة الصعيدية في بئر السبيل أحد أقمارها الأجلاء الذين مدوا ذراع العلم، وأعلوا صرح المكارم، ورفعوا بناء المحظرة والحضرة الصعيدية عاليا.
وبين الوالدين حم بن محمد بن عابدين والوالدة عائشة بنت محمد فال بن عابدين، امتد للشيخ بساط العلم، وانثالت عليه الإشراقات الربانية، وترقت به التربية الصالحة والدعاء في مدارج السالكين
وقد كان والده الشيخ حم بن محمد بن عابدين رجل علم وصلاح وفي رثائه يقول العلامة كراي بن أحمد يوره
فقد كان فردا في العبادة والتقى * وفي كل فعل يقتضي الرفع فاعله
كما كان في تقوى المهيمن ناشئا * فعاجل ذاك العمر خير وآجله
هو العامل الإحسان طيلة عمره * وكل امرئ يجزى بما هو عامله
فسل عنه من تلقاه إن كنت سائلا * يخبرك بالبرهان من أنت سائله
أوائله شادوا له المجد والتقى * فشاد وزاد ما تشيد أوائله
فضائله تجري على ألسن الورى * فكلهم تلفى لديه فضائله
شمائل طه فيه ساطعة فما * شمائله في الحسن إلا شمائله
في ابير التورس تنشق العالم المدرس والشاعر الناثر الفقيه الشيخ ولد حمه الصعيدي نسمات الحياة الأولى في أسرة سارت بها بوارق الأشواق ونفحات الهيام النبوي من أقصى الصعيد إلى واحدة من أزكى وأعلى محاضن ومحاضر المعارف الإسلامية في الغرب الإسلامي.
حيث ألقى الشيخ سيدي محمد الصعيدي عصا التسيار في موريتانيا، واندمج أحفاده من بعده في هذا المجتمع، وتسنموا قمما عالية من العلم والإشراق الرباني، وتلقاهم الناس نخبة وعامة بالقبول والتبجيل.
وفي هذه البيئة التي تتنفس علما، وتنساب فيها المعارف انسياب النسيم، وتخضل وتثمر اخضلال الزرع، وتعلو وترتفع كباسقات النخيل، ولد الشيخ ولد حمه، وفيها درس المبادئ الأولى من معارف الشريعة،
ظهرت مخاييل النجابة على هذا الطفل الصالح ابن الصالحين، فحفظ القرآن الكريم حفظا متقنا من غير إعادة على غير عادة أترابه ومألوف دراسة التلاميذ حيث يضطرون غالبا إلى إعادة القرآن من جديد سعيا إلى تثبيته.
ولاحقا راجع الشيخ ولد حمه القرآن حفظا وتجويدا على المقرئ العالم الشهير محمد عبد الله ولد آبت التندغي، أحد أبرز المقرئين الذين أجازهم العالم الجليل الشيخ عبد الله ولد داداه، رحمهم الله، كما درس أيضا كتاب بصائر التالين للشيخ محمد مولود ولد أحمد فال على الشيخ سيدي أحمد ولد أحمد يحيى اليعقوبي.
بئر سبيل العلماء
عرفت بئر السبيل أو “بير التورس” بتاريخها الحافل العلمي، وما زال إشعاعها يضيئ الآفاق، وقد أدرك الشيخ ولد حمه عددا من علمائها وأشياخها الأجلاء.
ومن أشهرهم العلامة محمد عالي بن محنض، وقد أدرك منه الشيخ العلامة ولد حمه سنوات حافلة بالعطاء، فلزمه وابنَ مالك وابن بونه في تلك السنوات إلى حين وفاته رحمه الله تعالى.
والعلامة محمد عالي بن محنض أحد أجلاء العلماء المدرسين في منطقة إكيدي، وهو المجلي في الرعيل الأول، وقد شهد له العلماء بذلك، حيث يقول القاضي أحمد سالم ولد سيدي محمد في رثائه:
و من العرفان طام موجه * في جسمه بطل من الابطال
فإذا تكلم في مجال لم يكن * متعقَّبا في ذا المجال بحال
وإذا الرجال تقاعسوا عن مشكل * أبدى الصواب لهم بلا إشكال
من شب في كل الأمور محمــدا * فعلا فسموه محمد عال .
كما درس أيضا على العلامة السيري النوازلي الشيخ كراي ولد أحمد يوره، مختلف المتون المقررة في المحظرة الموريتانية، بما فيها تلك التي تشكل خصوصية للمحاظر الأكيدية مثل علوم المنطق والبيان، وبطرر أصيلة راسخة مثل طرة الشيخ أحمد بن العاقل على كبرى السنوسي.
ومن بين العلماء الذين أخذ عنهم الشيخ ولد حمه العلامة سيدي أحمد ولد أحمد يحيى، حيث كان يحضر مجلسه ويستمع لشروحه.
ومنهم أيضا:
– العلامة محمذن فال بن محمد سالم بن ألما، وقد كتب له إجازة تامة بخطه الجميل.
– العلامة النوازلي الشيخ انه ولد الصفي
– الشيخ القاضي أحمدو ولد حبيب ولد الزايد
– الشيخ أحمدو ولد الشيخ محمدو حامد بن آلا الحسني رحمه الله تعالى، وقد درس عليه بعضا من مثلث بن مالك، حيث كان هذا الرجل المجاور ردحا من الزمن للبيت النبوي ذاكرة علمية ولغوية عالية المستوى.
-العلامة الشيخ حمدا ولد التاه: وعليه درس المنطق بشكل عام.
– العلامة الشيخ ولد عبد القادر ولد حمود ولد اباه الشريف النجم الصعيدي العلم، وعليه درس عمود النسب للشيخ أحمد البدوي، ضمن فنون ومراجعات أخرى ومذاكرات علمية وفوائد لاتحصى.
كما كانت للشيخ مذاكرات مع المشايخ: ابين ولد ببانه، والشيخ محمد الحسن بن أحمد الخديم والشيخ محمدسالم بن عدود والشيخ بداه بن البصيري.. وليقس مالم يقل.
وبعد أن أقر العلماء والأجلاء للعلامة الشيخ ولد حمه، بالعلم والتبحر، وأفتوه بل ألزموه بالتدريس، جلس ابتداء من العام 1978م، للإقراء والإفتاء، سنة آبائه الذي سطروا آيات الفخار على هام الزمان، فانثال إليه طلاب المعارف من كل حدب وصوب، ومكنه من التميز ما تحلى به من حفظ ودقة وجزالة أسلوبه في التعبير وإيصال المعلومة والتمثيل عليها، وصواب في المنهجية بما يناسب فهم التلميذ، زيادة على ما يلقى التلاميذ من احتفاء وإكرام وتقدير يعينهم على الدرس ويتحمل عنهم كثيرا من تكاليف الحياة، حتى إذا عادوا إلى أهلهم عادوا بوجوه ناضرة مخبتة وقلوب واعية، وأفئدة مشرقة بالإيمان والصلاح وألسنة لاهجة بالخير، يجري فنون العلم في أقوالهم، وتفوح عاطرات أفنان التربية والصلاح من أحوالهم.
فعادوا وأثنوا بالذي أنت أهله
ولو سكتوا أثنت عليك ” المعارف”
محظرة شاملة … وضوابط صارمة..
وتعتمد المحظرة الصعيدية نظاما علميا متدرجا نوعيا يعتمد:
– دراسة الفقه المالكي عبر متونه المتدرجة من البداية إلى نهاية التخصص في فقه القضاء وفقه القواعد..
– اللغة العربية بتخصصاتها المختلفة من نحو وصرف وبلاغة ومعجم وغيرها..
– العلوم العقدية والعقلية في مختلف الفنون المعتمدة
– علوم التصوف والتربية المتعددة..
ويهتم العلامة الشيخ ولد حمه بالتدريس وحفظ المتون وإقرار المعلومات بشكل تام، ويميل أكثر من غيره من علماء المنطقة التي يعيش فيها إلى الإتقان والاستظهار، وعمق الفقه، وتعتبر ” إجازة الشيخ ولد حم” إجازة عالية ليس من السهل الحصول عليها، ولا يمكن منحها دون استحقاق كامل.
وربما تأخرت إجازة الطالب السنون ذوات العدد، حتى يحيط بعلوم المحظرة الموريتانية، ويتمكن من ناصية المتون، ويملك الأهلية العلمية والعقلية على حمل الإجازة والإسناد.
وإلى جانب التدريس المباشر يملي الشيخ دائما على طلابه أمالي متعددة، مما يختزن في “كناش” طلبه العلمي، وما يستفيد من مطالعاته الواسعة، كما أن للشيخ قدرة فائقة على النظم والتقييد، مكنته من إقامة كناش آخر ضخم من أنظامه وتقييداته، التي تحولت مع الزمن إلى شواهد نوعية أخذت مكانها في الحواشي المحظرية التي تعتبر جزء مهما من الإنتاج العلمي المستمر في المحاظر الموريتانية.
ولخصوصية هذا المنهج الذي يعتمده الشيخ ولد حمه في التدريس، باتت محظرته القبلة الأولى والأهم في منطقة المذرذرة، وضواحيها حيث يجد فيها المتعلم بغيته من مختلف المعارف، وينال فيها أعلى غايات الإكرام، حيث يمكن اعتبارها بشكل عام ” محظرة خمس نجوم” من حيث نوعية التعليم وجودته وتمدده، ومن حيث ظروف الإقامة وحسن الاستضافة.
وما تزال المحظرة تعتمد نفس النظام التقليدي فيما يتعلق بالتدريس الفردي، أو عبر نظام الدولة حيث تلتقي مجموعة من الطلاب في متن واحد، قبل أن يعودوا إلى مراجعته واستظهاره بعد شرح الشيخ لهم.
ولا يقف الشيخ ولد حمه في وجه إي إجراء تنظيمي يمكن أن يفيد المحظرة، دون أن يفقدها مضمونها ودورها العلمي ومكانتها وخصوصيتها الحضارية.
ويتعدد الطلاب من مختلف أنحاء المنطقة، وربما درس فيها بعض الأجانب من جنسيات مختلفة.
ورغم الإقبال المتصاعد والمستمر من الطلاب ومن أجاويد النخب والأسر العلمية على محظرة الشيخ ولد حمه، فإنه يرى للسلف العلمي مزية عالية لم تتح لمن بعدهم.
وفي تصوره أن حالة الرفاه وتيسر المصادر والكتب، وسبل النقل، وتيسير ضرورات الحياة، لم تنعكس على همم الناس اليوم، مقارنة بمن سبقهم، حيث كانت الفاقة تمد بساطها على المنطقة بشكل عام، لكن الهمم كانت عوالي سامية.
ويذكر الشيخ حمه أن من عادة التلاميذ الانتقال من محظرة إلى أخرى ودوام الاستزادة والمطالعة، فإذا ظفر أحدهم بكتاب لم يكن قد اطلع عليه، فكأنما ظفر بكنز وعلق نفيس، فيلتزمه كالأحبة مطالعة وحفظا له أو لبعض فصوله ونظما لبعض مباحثه وفوائده وشوارده.
ويتمثل الشيخ ولد حمه بالعبارة السائرة” أحب شيء إلى الإنسان ما منعا” حيث ظل العلم مطلوبا مرغوبا أيام تعسر وسائله، وتعثر الطرق إليه، ثم كلت الهمم بعد ذلك لما توفرت أسبابه وامتدت في الآفاق أطنابه.
يوم في محظرة الشيخ ولد حمه
من الصباح إلى إلى الرواح، وربما استعان بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة، ووافق حضوررنا للمحظرة بعد صلاة العصر حيث يبدأ درس الشيخ بن حمه الفترة المسائية، وحيث يستند إلى سارية في المسجد، يعلم ويفسر، لايقطع استرساله في الدرس إلا المكتوبة، فيرتاحون بها سيماء يحتكرها المؤمنون، ولئن توهم الدنيوي جناته في الدينار والنساء والقصر المنيف فإن
“جنة المؤمن سجوده في محرابه”،
ويستمر اليوم العلمي في دروس مختلفة، وحلقات متواصلة، يدرس الطلاب عند الشيوخ، ويدرس بعضهم على بعض، ويتحلق بعضهم في جلسات للتكرار والمراجعة والنقاش، وتثبيت الحفظ، حتى منتصف الليل، كل أيام الأسبوع، ثم تخلد القرية الوادعة في عباءتها الوقورة إلى نوم، تزينه أصوات المستغفرين بالأسحار، حيث ترتفع أنوار القيام، من كل بيت قبل أن يسلم الليل لواء الحياة إلى أنسام السحر، وتقطع سكون الليل تراتيل تعظيم الفجر، والحريصة على دقائق الأسحار الغالية، وعدم إرخاصها بالغفلة.
والصبح منجدل في رحم الدجى لم يلوثه صخب الحياة ولافجورها.
مكتبة عامرة وإنتاج علمي مستمر
يملك العلامة الشيخ ولد حمه، واحدة من أهم وأكبر المكتبات الأهلية في منطقته، وتعتبر هذه المكتبة جزء أصيل من التكوين العلمي للتلاميذ، حيث يرودون بين رفوفها ويسافرون في رحلة ممتعة بين كتبها المتعددة المجالات.
وقد ارتبطت مؤلفات الشيخ بالحقل التدريسي فكانت شروحا تحلي بعض المتون وتكر على غوامضها بالإبانة، كما كانت تجديدا في بعض المجالات التي يتجاوزها المدرسون غالبا نحو غيرها، مثل شرحه الحافل على مقدمة مختصر الشيخ خليل ومن أشهر مؤلفات الشيخ التي باتت بيد الناس وتلقوها بالقبول:
– شرح قصيدة “بانت سعاد” لكعب بن زهير
– احمرار قرة الأبصار
– شرح احمرار المختار بن بون
– شرح خطبة الشيخ خليل
– شرح الميمية للبوصيري
– نظم أسماء الله الحسنى مع التوسل بكل اسم منها
– كتاب مصباح الرشاد في هدي خير العباد صلى الله عليه وسلم
وللعلامة الشيخ ولد حمه آثار علمية، وقد غلبت شهرته العلمية قدرته الأدبية المشهود بها ومن عيون قصائده مايقول في الرسوم المسيئة لنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، وذبا عن الجناب النبوي المصون:
دَهَتْنَا رُسُومٌ لاَ يُطَاقُ لَهَا صَبْرُ * تَذُوبُ لَهَا الأَحْشَا ويَنْفَطِرُ الصَّدْرُ
فَفِي القَلْبِ مِنْهَا نَارُ هَمٍّ وكُرْبَةٍ * تَلَظَّى وفِي الأَكْبَادِ يَلْتَهِبُ الْجَمْرُ
وفِيهَا لِسَانُ الْحَالِ أعْلَنَ مُنْشِدًا * كَذَا فَلْيَجِلَّ الْخَطْبُ ولْيَفْدَحِ الأَمْرُ
رُسُومٌ مِنَ البُهْتَانِ والزُّورِ أَتْرَعَتْ * لِصَاحِبِهَا الْخِذْلاَنُ والسُّوءُ والْخُسْرُ
أَنَامِلُ ذَا الرَّسَّامِ بَاءَتْ بِخِزْيِهِ * وخُسْرَانِهِ شُلَّتْ أَنَامِلُهُ العَشْرُ
يُحَاوِلُ إطْفَاءً لِنُورِ مُحَمَّدٍ * عَلَيْهِ صَلاَةُ اللهِ مَا طَلَعَ الفَجْرُ
ومَا مِثْلُهُ إلاَّ كَنَاطِحِ صَخْرَةٍ * فَمَا ضَرَّهَا بَلْ عَادَ مِنْهَا لَهُ الضُّرُّ
فَأَحْمَدُ فِي الأَخْلاَقِ والْخَلْقِ فَائِقٌ * وأَخْلاَقُهُ كالدُّرِّ بَلْ دُونَهَا الدُّرُّ
حَبَاهُ إلَهُ العَرْشِ جَلَّ جَلاَلُهُ * مِنَ الفَضْلِ مَا لاَ يُسْتَطَاعُ لَهُ حَصْرُ
فَأَرْجُو بِهِ نَيْلاً لِمَا أَبْتَغِي وأَنْ * يُصَاحِبُنِي التَّيْسِيرُ والْحِفْظُ والنَّصْرُ
صَلاَةٌ مِنَ الرَّبِّ الكَرِيمِ تَؤُمُّهُ * يُرَافِقُهَا التَّسْلِيمُ مَا طَلَعَ البَدْرُ
ومن مدائحه النبوية السائرة قوله:
قد هاج لي طلل من شوقي العللا * فاهتاج شوقي ولم أعبأ بمن عذلا
فظلت بين ربوع كنت أعرفها * أمشي وأرجع طورا حائرا وَهِلا
ربع يذكرني أيام كنت به * حلت صبابته واللهو منه حلا
أيام أصبو إلى غيد منعمة * أظل بين يديها لاهيا غزلا
أصغي إلى ذي وهذي في محادثة * لهن لا معرضا كلا ولا وجلا
فياله من حديث راق منطقه * لا عيب فيه ولا فحشا ولا مللا
وحي الملاحظ منه هو أكثره * فبالملاحظ ما نخفيه فيه جلا
غيد إذا ما رأى ذو الحلم بهجتها * غدا بها عن سواها الدهر مشتغلا
فالثغر منها يحاكي البرق مبسمه * والقد منها كبان ماس واعتدلا
دهر مضى بعدما طاب الوصال لنا * به فكان على المحبوب مشتملا
غر لياليه والأيام منه خلت * مما يكدره والجو منه خلا
دهر تعاودني ذكرى مرابعه * وتلك ذكرى تثير الهم والخبلا
إذا تذكرت أياما به سلفت =* ترقرق الدمع من عيني منهملا
يا ليت شعري هل أحبى بعودته * حتى أظل به جذلان محتفلا
دع عنك ذكر الصبا واللهو أجمعه * فجل بدر الشباب اليوم قد أفلا
كيف التصابي وذكر الغيد مائسة * وقد بدا الشيب في فوديك مشتعلا
فلترتدع عن سبيل الغي أجمعه * وافزع إلى مدح من قد حاز كل علا
محمد خير من يمشي على قدم * وخير داع إلى دين الإله علا
ضاءت بمولده الأكوان وازدهرت * وأصبح الملأ الأعلى به جذلا
قد زان مولده الأزمان فابتهجت * كأن ما هو في جيد الزمان حلى
كما به نالت البطحاء منزلة * حلت بها من ذرى عليائها القللا
من قبله كانت الأجواء طامسة * وحين جاء كساها الدر والحللا
محمد رحمة للعالمين أتى * بها الإله تعم السهل والجبلا
من فضله نحل الرحمن أمته * فضلا وملته قد فاقت المللا
قد قام يدعو إلى دين الإله وقد * عم الفساد وساد القادة الجهلا
ما زال والناس في غي وفي عمه * يدعو لدين الهدى الأفراد والجملا
حتى أبان الصراط المستقيم لنا * مثل الصباح سنى يبد لمن عقلا
وبدل الغم شرحا والأسى فرحا * والعسر يسرا وصعب الأمر قد سهلا
أرجو بمدحك خير العالمين علا * وأن أرى عند لقيا ربي الجذلا
يا رب بالمصطفى هب لي المنى أبدا * واقض الحوائج لي واغفر لي الزللا
ثم الصلاة على خير الورى أبدا * معها سلام يفوق العارض الهطلا
تعم آلا وأصحابا لأحمد ما * غنى الحمام بأغصان له أصلا
أجيال من العلماء
خرّجت محظرة الشيخ بن حم الصعيدي العشرات من العلماء والفقهاء المفتين النابهين الذين استبدت به عزائم الجد، كما انتظمت في رحابها دوحة أدبية رائعة، حيث صارت الحضرة الصعيدية مربد وعكاظ هذا القطر الشنقيطي، وإليها ينتمي عدد كبير من أعيان الشعراء والأدباء وصفوة العلماء، وتفرعت عنها محاظر متنوعة في داخل البلاد، واحتل طلابها مكانة سمية في العلوم ومنتديات العلم وسمو الأخلاق.
ويمكن بشيء من الاختصار استعراض أسماء هؤلاء العلماء خريجي هذه المحظرة المباركة، على سبيل المثال لا الحصر، مع العلم أن من أخذ عن هذا الشيخ أو استفاد من مجالسه لا يمكن حصرهم، ولذا فسنكتفي في هذه الإطلالة بنشر أسماء من فازوا بتوثيق أسمائهم في سجل الشرف العلمي الذي توقعه المحظرة كل حين بإذن ربها في فعاليات تخرج وتصدير وإجازة علمية مطلقة لاصخب فيها ولانصب، لكن مصداقيتها راسخة رسوخ الجبال”.. تَحۡسَبُهَا جَامِدَةٗ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِۚ ” فنذكر هنا من أجازهم الشيخ بن حم بخطه في النصوص المحظرية التي تدرس عادة في المحاظر الشنقيطية وهؤلاء هم:
ابن صنوه الشيخ علي الرضى بن محمد ناج الصعيدي الذي درس عليه وهو ما زال يافعا وحسب العارفين ” تربى معه ونبغ في حضرته، وكان له التلميذ الناصح والابن البر كما كان الشيخ ابن حم له بمنزلة الأب الحنون والشيخ المربي” ، و بشهادة الجميع فقد استحق الشيخ علي الرضى الشكر لخير دعمه وفضل سنده لهذه المحظرة، و لكونه ظل عونا لكل معتفيها ومربيا لروادها”
الشيخ الحسن بن محمد الأمين بن عابدين الشريف الصعيدي القاضي العالم المؤلف.
الشيخ أحمدو ولد محمد عبد الحي ولد عابدين الصعيدي شيخ محظرة التسيير الواقع في الضاحية الشمالية للعاصمة نواكشوط
الشيخ أحمد سالم الملقب ول متالي بن محمدن بن حنن.
الشيخ محمد سالم بن محمد الأمين بن النيه
الشيخ التاه بن سيد بن بُ
الشيخ محمدن بن أمدْ بن أحمدو بن المختار
الشيخ محمد صالح بن امحمد بن توتاه
الشيخ سيدي محمد بن باباه بن بدي الصعيدي
الشيخ محمدن بن سيد أحمد بن صلاحي
الشيخ محمد عال بن أمدْ بن أحمدو بن المختار
الشيخ محمد عال بن أحمد بابه
الشيخ عبد الله بن محمدن بن أحمدو بن المختار
الشيخ عبد الله ولد أحمد بن البُ
الشيخ محمد عبد الله بن محمد الأمين بن التمين
الشيخ الشيخ أحمد بن أم السملالي
الشيخ الإمام محمد يسلم بن ميم بن البخاري
الشيخ عبد الرحمن بن محنض، شيخ محظرة أغنجايت
الشيخ الإمام بن الفقيه
الشيخ أحمد بكتوب بن المستعين
الشيخ المختار بن أوفى بن يحظيه
الشيخ حم بن المامون
الشيخ أحمدو بن التاه ول ابلول
الشيخ أحمد ول محمدن
الشيخ عبد الله بن محمد ” دت”
الشيخ الإمام بن الشيخ بن القاضي
الشيخ حبيب بن سيد المختار.
وإلى جانب هؤلاء فإن للعلامة الشيخ ولد حمه أبوة معرفية على عدد هائل من المثقفين والدكاترة والأساتذة من تخصصات علمية متعددة، من الذين ينتمون إلى فضاء منطقته المذرذرة، وقد فتحت لهم المحظرة وعلاقات شيخها ميدان بحث ومدارسة مستمرة.
وزيادة على عطائها المعرفي أطلقت المحظرة الصعيدية عبر شيخيها الشيخ ولد حم وابن أخيه الشيخ علي الرضا بن محمد ناجي الصعيدي حياة أدبية متميزة، حيث ينتمي إلى هذه المحظرة وفضائها الثقافي عدد كبير من أجاويد الشعراء مثل أغلب خريجيها، وكذا العالم الشاعر علي الرضى بن الحسن بن عابدين والشاعر المتكن سيد محمد بن علي بن بدي والشاعر الكبير محمدن ولد ابّي، والشاعر المجيد كراي ولد أتقان، والشاعر راكب الأسد عبد الرزاق بن عثمان ، والشاعر محمد ولد اعليه، إَضافة إلى أجيال متعددة من الشعراء الشباب الذين يظهرون مقدرة إبداعية متصاعدة.
وكما انتشرت معارف الشيخ وتفرق طلابه في أنحاء البلاد، فقد ثابت إليه المدائح من كل حدب وصوب، وخصوصا من طلابه الذين رأوا في ذلك جزءا من رد الجميل لمن نهلوا من علمه وقبسوا من أنواره وتربيته فقل أحد من خريجي هذه المحظرة وطلابها إلا وله قصيدة في مدح الشيخ بن حم والتنويه بمحظرته الميمونة.
ولنسمع نموذجا من ذلك مع الشاعر الأديب الأستاذ كراي ولد اتقان حيث يقول:
لدى حضرة الشيخ بن حم مجالس * نفائس فيه للعلوم مدارس
مجالس تغشى حاضريها سكينة * ورحمى وتنأى عن حماها الأبالس
ويخضر دوح الدين منها فتزدهي * بأزهارها منه الغصون الموائس
تلوح من الإيمان فيها شوارق * فتنشق عن غلف القلوب الحنادس
فما ثم إلا الله لا رب غيره * يراد وما يدعو إلى الشر هاجس
مجالس فيها الشيخ لله دره * إذا جاء مستفت إذا جاء دارس
إذا جاء مجهود إذا جاء مجتد * إذا جاء ممسوس إذا جاء آيس
مجالس فيها الفقه والنحو واللغى * دواوينها فيها وفيها القوامس
وفيها تلاميذ عليه تأدبوا * فأذقانهم وقت الدروس نواكس
وفي البيت إحالة إلى البيت الشهير الذي مدح به الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه
يأبى الجواب فما يراجع هيبة* والحاضرون نواكس الأذقان
أدب الوقار وعز سلطان التقى* فهو المهيب وليس ذا سلطا.
وكذا الشيخ ابن حم، فهو مالك الجيل وابن مالكه، وإلى محظرته اليوم يشير بنان التوقير والإجلال، وعنها يصوغ لسان العلم أسمى آيات التبجيل والتقدير، وإلى رياضها وحياضها ترد عطاش التلاميذ” والمنهل العذب كثير الزحام”، لينهلوا عن قرب من سلسبيلها ولسان حالهم قول نصيب:
أقول لركب صادرين لقيتهم* قفا ذات أوشال ومولاك قارب
قفوا حدثونا عن سليمان إنني* لمعروفه من أهل ودان طالب
فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله* ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب.
المصدر : موقع الفكر