ظرافات.. وظرفاء (11) / الأستاذ: محمدو سالم ولد جدو
قال أبو يوسف القاضي: كنت سائرا بالكوفة فلقيت عليان المجنون فاستوقفني سائلا: أيها القاضي ألم يقل الله تعالى: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم}؟ قلت: بلى؛ قال ألم يقل الله تعالى: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير}؟ قلت: بلى؛ قال: فما نذير الكلاب؟ قلت: لا أدري فأخبرني به، قال: لا.. أو تشبعني، فاشتريت له خبزا فأكله، ثم قلت له: هات الجواب، فأخرج حجرا من كمه وقال: هذا نذير الكلاب!!.
ولدت ابنة لبعض وجهاء الكوفة فاستاء من أنوثتها وامتنع عن الطعام والشراب فدخل عليه أحد المجانين وقال له: ما هذا الحزن؟ أجزعت من ذاتٍ سَوَّى هيئتها رب العالمين؟ أيسرك أن يولد لك ذكر ويكون مجنونا مثلي أنا؟!! فضحك الرجل وزال غمه لحكمة أشرقت على لسان من لا تنتظر منه في العادة.
وسئل مجنون عمن مات عن ابن وبنت وزوجة ولم يخلف شيئا من المال فكيف تكون القسمة؟ فقال: للبنت الحزن والبكاء والثكل، وللزوجة خراب البيت، وما بقي من الهموم فللابن والعصبة، الأقرب فالأقرب!
كان عليان الكوفي أحد ظرفاء المجانين، وكانت له عصا لا تفارقه وربما تحرش به الصبيان فآذوه فيقف موقف المتأهب للقتال ويشد ثوبه عليه وينشد:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ** دون النساء ولو باتت بأطهار
ثم يأخذ عصاه ويتقدم نحوهم منشدا:
أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه ** خشاش كرأس الحية المتوقد
فإذا التحم بهم صاح في جنباتهم منشدا:
أكر على الكتيبة لا أبالي ** أحتفي كان فيها أم سواها
فإذا فروا وتفرقوا عاد إلى حيث كان ووضع عصاه وأنشد:
فألقت عصاها واستقر بها النوى ** كما قر عينا بالإياب المسافر.
(عافانا الله وإياكم، وحفظنا وإياكم، ومتعنا وإياكم بجميع قوانا ما أحيانا)