ثقافة

هل من مشروع لترقية اگضيم..؟؟/ محمد فال ولد عبد اللطيف

اكْـضَيـْمُ مُقتاتٌ بطيءُ المأكل ….ودونه قدرُ يد من عمل.

هذا البيت من الرجز أنشدنيه قديما أحد الظرفاء وقال لي إنه من نظم العلامة الشهير أحمد ولد اجَّمَدْ اليدالي، صاحب الأنظام الرائقة المتداولة في الأوساط المحظرية وغيرها.

وهذا البيت يدل على رحابة صدور علمائنا الأقدمين وقلة تزمتهم إذ لم يشغلهم جد العلم والعمل أن يخصصوا جزءا من وقتهم الثمين للإحماض والنزول إلى مستوى العامي العادي المنهمك في تدبير شؤون الحياة اليومية، ومقاساة ظروف العيش البدوي، فيقولون له شيئا يخففون به عليه من تلك المتاعب في شكل أنظام هزلية، وغالبا ما يكون تحتها جد جاد.

ولعله قد يكون من المناسب أن نلم بشيء من تفسير هذا البيت خشية أن يقرأه من يفوته فهم بعض المصطلحات التى كانت متداولة في القديم ولكنها اليوم أصبحت غريبة عليهم.

أما اكْـضَيـْمْ، فبهمزة وصل بعدها كاف ساكنة ثم ضاد معجمة أخت الضاد فياء مثناة تحتية آخر الحروف فميم ساكنة، فهو عبارة عن مستحضر يصنع من حب الهبيد المسمى عندنا بالشركاش، ويقال الكركاش بتقديم الكاف الأولى على الراء، يُقلَى ثم يسحق ناعما ثم يغربل ثم يدك ممزوجا بالسكر فيخرج منه شيء كالعصيدة، اللون لون العيش والطعم طعم الشكولاته أو قريب منه.

وهذا الطعام هو من الأطعمة الشتوية لأنه دسم حار من الأول، نافع في البرد طارد للجوع من خير ما يقدم بين يدي الشاي، لكنه بطيء المأكل لأنه لا يؤكل مضغا بل يمص مصا، ولذلك وصفه بعض الظرفاء بأنه طعام ذو غصة.

ولقد أفاد الناظم أن هذا الطعام التقليدي، وعلى يسارته، لا يحصل عليه إلا بعد القيام بأربعة عشر عملا، وقد عبر الناظم عن هذا العدد بكلمة “يد” على طريقة حساب الجمل المعروفة: الياء بعشرة والدال بأربعة.

ويغلب على ظنى أن هذه الأعمال الأربعة عشر تبدأ بجعل الحظيرة على المزرعة وتنتهى بعملية تحلية اكْـضَيـْمْ بالسكر مرورا بإزالة الأعشاب الضارة وحصاد الثمرة وتجفيفها وتحكيكها إلى غير ذلك.

ولقد أوحى إلي هذا البيت بفكرة إنشاء مصنع لتصدير هذا المستحضر وتسويقه داخل البلاد، وهذا المصنع لا يتطلب تمويلا عسيرا، فالمادة الأولية موجودة والطرق الفنية للقلي والطحن والغربلة مستوعبة من الجميع، فلم يبق إلا مشكلة ظروف التعليب وما يصحبها من إشارات وشعارات لترقية المنتوج والترويج له محليا وعالميا.

وهذا مما يسهل التغلب عليه إذ لا يعوزنا أن ننتج علبا من المعدن أو من الورق ونصور عليها صبيا جفرا غليظا ضاحكا، ونكتب تحت صورته أن اكْـضَيـْمْ هو الذى أضحكه وجعله عَبْل الساعدين قوي المنكبين، ثم نعبئها بكميات من اكْـضَيـْمْ بأحجام متفاوتة، ونسجل في أحد جوانب العلبة طرق الاستعمال والتكوين الكيميائي مع ما تيسر لنا جمعه من فوائده الصحية.

ولعلنا، إن قمنا بجمع ذلك وواكبناه بحملات إشهارية في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، سنقوم ببادرة لا بأس بها من حيث ترقية المنتوجات الوطنية وحل مركب النقص الذى يحول بيننا وبين الإبداع والخلق، ويجعلنا لا نثق إلا بما يأتينا معلبا من الشرق والغرب.

ولقد سرنى ما قرأت مؤخرا عن تجربة مماثلة قيم بها بشأن الثمرة المسماة محليا ب “توگه”، المكناة بأم نفعين، نفعٍ داخليٍّ يتمثل في لبها، ونفعٍ خارجي يتمثل في قشرتها الخارجية الحلوة والنافعة في السكرى.

أما أسعار المنتوج فتكون تابعة للكلفة الإجمالية مع هامش معقول للربح، مع إمكانية تكييف السعر مع نوعية اكْـضَيـْم ودرجة تركيزه وجودة شركاشه وهل هو مطعم بالسكر أم لا، في كل ذلك مجال للبحث والنظر.

وما نرانا، لو كتب لنا النجاح في تأسيس هذا المشروع، إلا سنكون قدوة لغيرنا من أبناء الوطن الغيورين على مصلحته فيقوم منهم قوم آخرون فيفعلون مثلها في:

[انبگ ومنجاغه وحب أيزن ومَتْرِ، ناهيك عن الخرُّوب وآژْ وأبَيْلَه]، فإذا فشت مثل هذه الروح في المجتمع فإن ذلك أكبر مؤشر على توجهه إلى الوجهة الصحيحة التى تؤدى إلى التقدم والقيام بالنفس والاكتفاء الذاتي، مع ما يصاحب ذلك من توفر العملة الصعبة والمساهمة في امتصاص البطالة ومرتنة العمالة.

فهل من مشروع لترقية إنتاج اكْـضَيـْمْ” وتصديره.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى