
ظرافات وظرفاء (43) / الأستاذ: محمدو سالم ولد جدو
كان شيخ إحدى كبريات المحاظر وقورا إلى حد جعل “كفسه” موضوعا يناقشه طلابه متعجبين من رزانته وعدم استجابته – ولو بابتسامة- لدواعي الضحك التي تجري بين آن وآخر. ومرة زعم أحدهم – وكانت فيه دعابة- أن بإمكانه إضحاكه فكذبوه وأصر على دعواه فجعلوا له جعلا على ذلك ثقة منهم باستحالته.
انتظر الطالب حتى اكتمل الطلاب في مجلس الشيخ فقال له بأدب: لدي بيتان أريد عرضهما عليكم لإبداء الرأي فيهما، فأومأ الشيخ أن هات، فقال الطالب:
لولا ضرورة الشعر لقلت بيتا يجبد تاگُبَّا ** على فرس هيكل يمشي كمشي الذيب الخائف من الكلبا
ومن لم يعرقب تبلته على تبلنا ** عرقب الله تبلته يوم القيامة فالفوارع.
قال الشيخ بأدب: ألم يطل هذا بعض الشيء؟ قال الطالب: يا شيخي لقد كان أطول من هذا ولكني قصرته! فضحك الشيخ الوقور وانصرف الطالب مرفوع الرأس بإحرازه قصب الرهان.
(التاگبه: دلو خفيفة يمكن امتياحها باليد، ويجبد: تصحيف يجبذ، وهذا مقلوب يجذب ومرادفه معنى. أما التبلة والتبل فالله أدرى بمراد المتشاعر).
لو عاش هذا الشيخ الجليل في أيامنا لأدمن الضحك حتى رمي بالجنون! لطالما تذكرته عندما أسمع (دون قصد) شخصا ضل طريقه فوجد نفسه مذيعا ينشد الشعر كما تفعل النساء عند إرادة ضرب الرمل فيكتفي ببعض شطر ويضيف إلى آخر ما استطاع من فيض جنانه؛ كقوله معاقبا الشنفرى:
وفي الأرض منأى عن الأذى ** وفيها لمن خاف القلى متحول
وإني لأستف ترب الأرض لكي لا يرى له ** علي شيئا من الطول امرؤ متطول.
انتبه!
طاء الطول مضموم وواوه ماد (حسب المذيع). وربما كان هذا أنسب لما جرى للامية العرب التي ألقاها حظها العاثر إلى الجاهلين.