ثقافة

من روائع الحكايات والأساطير الموريتانية(25) /د. محمدو احظانا

أم الروايات

رواية جوقة المعزاة وغابون*

قال الراوي:
قبل الحكاية أتتكم أحجية:
“رفعته فزقى، وطرحته فزقى؛ فماذا أفعل له؟ يا غزوة!!”
ضربت حلقة الراوي أخماسا بأسداس، وبعد أخذ ورد قال مراهق ذكي:
-لم أعرفها إن لم تكن ماعون الحداد.
فهلل له الراوي وحلقته. وبدأ في حكاية:
جوقة المعزاة وغابون.

الفصل الأول
قال لكم ماقال لكم، والبال لنا والبال لكم، والبال لأولاد المسلمين:
إن معزاة طاعنة في السن كانت ترعى بعيدا عن قطيعها، وبينما هي تتقفى طري النجم من النبات إذ وجدت جثة أسد ميت. ففزعت منها أولا. لكن لما عرفت أنه نافق قالت في نفسها -لم لا أسلخ جلد هذا الأسد وألبسه، وأذهب إلى غابون الذي يسمونه الضبع، وأتراآى له حتى يخاف مني، فإن هرب عني طاردته حتى أنهكته؛ وبعدها لن يفترس بنات عمي، وسيرجع على سبحته ويستغفر ربه من البطش الذي دأب عليه.
أخذت المعزاة سكينا كانت تحلق به لحيتها، وشحذته على قرونها، وأقبلت على جثة الأسد تسلخ جلده.

****
لبست المعزاة جلد الأسد وشدته عليها وذهبت إلى شجرة يأوي إليها غابون عندما يعود من صيده الليلي فأيقظته من نومه العميق.
لما رآها فزع منها فزعا شديدا وانطلق هاربا، وهو مصاب بإسهال الفزع; فصارت تطارده وتضحك من تصرفاته، حيث كان يرمي بمخلفات جوفه كلما اقتربت منه. وظلت تطارده حتى يئس من الحياة ولم يبق في جوفه مما حصل عليه بجهد جهيد أي شيء.

الفصل الثاني:
أثناء المطاردة الطويلة مرت المعزاة تحت شجرة دانية الأغصان وهي تطارد غابون اليائس من حياته فأمسكت الأغصان بجلد الأسد، فانفسخ عن المعزاة.
توقفت عن المطاردة الحامية مرتبكة وني لا وعرف أين تضع رأسها من وسادة النجاة.

****
ألقى غابون نظرة خلفه فرأى المعزاة على حقيقتها وهي ترتعش فزعا بعد انتهاء جوقة الصياح والصراخ، وبقية الأصوات التي كان يحدثها غابون، فأقبل على المعزاة متماهلا، وأمسك بأذنها وسألها:
-ماذا دفعك إلى هذه الفعلة الشنعاء، وأنت تعرفين بطشي وحدة أسناني، وقرمي للحم الماعز؟!
فأجابته المعزاة وقد انعقد لسانها:
-كنت ألعب معك وأتسلى بخوفك.
-اهيه؟ كنت تلعبين معي وتتسلين بفزعي منك؟
هيا لأريك إذن؛ إن كانت هذه آثار لعب وتسلية.
صار غابون يقود المعزاة إلى حيث كانت تطارده ويقول لها كلما رأى بعض مخلفات ببطنه:
-أنظري هنا.. وهنا كذلك.. ولا تنسي ذلك المنعرج وما خلفت فيه.. ثم هنالك حيث تخلصت من نصف صيدي دفعة واحدة..
هل هذه أثار اللعب والتسلي ياعجوز السوء؟ تقدمي.. وقولي لي، أهذه أفعال من يلعب مع الآخرين يامعزاة الشقاء؟
وأقبل غابون على المعزاة والتهمها في لمح البصر، ثم اتخذ من جلد الأسد دراعة يفتخر بها على بنات عمه بأنه قتل الأسد، واتخذ من جلده دراعة يلبسها يوم العيد.

قال الراوي:
“وأخذت أنا نعلي ورجعت إلى أهلي، أبقاني الله سالما أحدث برواية الدب والمعزاة، دائرا عن دائر.

،،،،،،،،،
غابون: هو لقب من ألقاب الضبع المعروف بالنهم، ويلقب كذلك شرتات. ولكل لقب معنى؛ فمعنى غابون مأخوذ من الغبن لغبنه للناس في داوابهم التي يفترسها يمنة ويسرة، وتغابزه مع إخوته. وينطق بالكاف المعقودة في الحسانية بدل الغين.. ويلقب كذلك بشرتات، وقد يكون اللقب من إحدى صفتين: صفة مبالغة في تشتيت الدواب عند محاولة صيدها: شتات. أدخل إليها الراء تخفيفا للنطق، أو هي اسم صوت لرشفه أمعاء الدابة عند صيدها كما يفعل عادة. ويلقب الضبع الأسمر: أبو هلب (العرفاء). أما الأرقط فيسمى الريقط: الأريقط. قال الشنفرى:
ولي دونكم أهلون: سيد عملس*** وأرقط زهلول وعرفاء جيأل. (الجيأل أنثى الضبع).
اسم الضبع في الثقافة المروية بالغرب الصحراوي الحساني: عبد الرحمن. وهو من أكثر الحيوانات حكايات في هذه الثقافة ويقال لحكاياته “أمراد غابوز”، وتميل شخصيته كما ترسمه المخيلة الشعبية إلى تعايش المتناقضات، وفصام الشخصية، وفلسفة الأكل بأي ثمن. وهو من حملة الصفات الذميمة، مثل عدم الوفاء، والنهم، والتعجل، والأحكام المسبقة، والطرافة وعدم الرزانة، وأجريت على لسانه أمثلة كثيرة صاحبتها أحيانا حكايات أمثال.

م. أحظانا


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى