ثقافة

من روائع الحكايات والأساطير الموريتانية(15) د. محمدو احظانا

أم الروايات:

حكاية ميرة* ياسرندح(1)

 

الفصل الأول

“قيل لكم، ما قيل لكم:”

إن ميرة كانت امرأة عظيمة الخلق، لها سبعة إخوة، ولديها ستة أطفال ذكور ثلاثة منهم في منتهى الجمال، وثلاثة في غاية الدمامة، ولديها بنت جميلة ترضعها. وذات يوم أرادت أن تضفر شعرها الفاحم الذي تجره خلفها إن لم ترفعه جاريتها أو يضفر لها، ولكثافة شعرها فلا يمكن أن يضفره حقيقة إلا أخوالها الغربان الذين.ورثت عنهم نعومة الشعر وسواده.

خرجت ميره لضفر شعرها المسترسل نحو أخوالها الغربان فلما رأوها تنادت إناث الغربان وهن يبصرنها قادمة تتهادى، ونزلت عند خالتها، ولما احتفت بها وسقتها وأطعمتها دعت مائة ضافرة ماهرة من نساء الغربان لتضفر كل واحدة منهن ضفيرة واحدة من ضفائرها المائة، وحظرت عليهن إزعاج بنت أختها بالنعيق فأقبلن على رأسها صامتات وكأن على رؤوسهن الطير.

وكانت ميرة قد اعتادت منذ صغرها أن تنام عاما وتستيقظ عاما، ونامت من التعب نومتها المعتادة، فلما انتهت الغربان من ضفر شعرها طرن عنها طلبا لرزقهن وتركنها نائمة.

 

الفصل الثاني

حال الحول على ميرة وهي نائمة في خيمة خالتها التي طارت عنها مع الغربان، فاستيقظت ونفضت عنها غبار فصول العام الذي انقضى عليها متقلبة في نومها، واتجهت إلى أهلها فوجدتهم لما استبطؤوها رحلوا عنها وتركوا لها خيمتها وأبناءها الستة وبنتها وجاريتها وجملها وجحفتها، فحملت متاعها وشدت جحفتها على المتاع وركبت، ووضعت أبناءها الثلاثة النضرين عن يمين في جحفتها، وألثلاثة السمحين عن يسار، وابنتها الرضيعة في حجرها، وأمرت جاريتها أن تأخذ زمام الجمل وتقوده بها في آثر الراحلين.

جد السير بالرفقة حتى دخلت في غابة قتاد، فرأت الجارية “علكة السبع” فمدت إليها يدها لتجنيها ظانة أنها صمغة، فنهتها ميرة:

-لاتمسيها خير لك فتلك علكة السبع وليست صمغا. لكن الجارية مدت يدها ثانية لعلكة السبع فنهتها ميره ثانية عنها، وفي الثالثة تصاممت الجارية وجنتها.

فجأة انفلقت الأرض عن أسد عظيم كأنه خلق فاغرا فاه والتهم الجارية، وأمسك بزمام جمل ميرة وأناخه بها، وزأر:

-ميره، أعطني شيئا آكله أو سآكلك، فأعطته متاعها فالتهمه، وزأر:

-ميره، أعطني شيئا أكله أو سآكلك.

فأعطته جملها، ولما أكله زأر:

-ميره أعطني شيئا آكله أو سآكلك.

فأعطته أحد أبنائها السمجين فلما أكله زأر:

-ميره، أعطني ما آكله وإلا أكلتك.

فأعطته ابنها السمج الثاني، فلما أكله زأر:

-ميره أعطنى شيئا آكله وإلا أكلتك.

فأعطته ثالث أبنائها السمجين، فلما أكله زأر:-

-ميره، أعطني شيئا آكله وإلا أكلتك.

فأعطته أول أبنائها الجميلين، فأكله وزأر:

-ميره، أعطني شيئا آكله وإلا أكلتك.

فأعطته ثاني أبنائها الجميلين، فأكله وزأر:

-ميره، أعطني شيئا آكله وإلا أكلتك.

فأعطته ثالث أبنائها الجميلين.. وانتهزت فرصة التهامه له فأخفت بنتها الرضيعة تحت ثديها، وأخذت تبكي وتذرف دموعها أربعا أربعا.

سألها الأسد مستغربا:

-ماذا يبكيك يا ميره؟!

فأجابته متنهدة:

-لأنه لم تعد لدي جارية، ولا أبناء ولا جمل أستقله، ولا جحفة أركبها ولا متاع أرتاح عليه، ولا خيمة آوي إليها، ولا أهل يمنعونني ويكفلونني.

فقال لها الأسد متعاطفا معها:

-لا تبك ياميره وأنا بجانبك، فأنا بابه سبع الغابه. سأكون لك أهلا، وأحميك، وأخدمك، وأحملك، وأهبك أبناء أجمل من أبنائك وفراشا أوثر من فراشك. اركبي على متني وأمسكي لبدتى، وسأذهب بك إلى خيامنا، وستنالين ما تريدين دون تنقيص من بني آدم.

فركبت ميره على ظهر بابه وانطلق بها مسرعا نحو خيام أهله.

(انتهى الجزء الأول)

……

* ميره: الأميرة.

(1) السردنح: من السرداح، عربية. وهي الناقة الطويلة وقيل ذات اللحم الكثير. قال الأعرابي:

أن تركب الناجية السداحا.. والسرداح المكان اللين أيضا أنشد الأزهري:

عليك سرداحا من السرادح** ذا عجلة وذا نصي واضح.. تشبه المرأة الجسيمة الطويلة بإحدى هذه الصفات أوبها مجتمعة، وهي هنا ميره.

 

م. أحظانا


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى