ظرافات وظرفاء (28) / الأستاذ: محمدو سالم ولد جدو
جمع الله في الشاعر الهيثم بن الربيع بن زرارة النميري البصري المشهور بأبي حية راوي الفرزدق – مع الشعر- الجبن والبخل والكذب! فمن كذبه قوله: عَنَّ لى ذات يومٍ ظبي فرميته، فراغ عن سهمى، فعارضه ذلك السهم، ثم راغ، فراوغه السهم حتى صرعه!! وقال أيضا: رميت ظبيةً، فلما نفذ السهم عن القوس ذكرت بالظبية حبيبةً لي، فعدوت وراء السهم، حتى قبضت على قُذَذِه!! (القُذَذ جمع قُذَّة، وهو ريش يناط بالسهم لحفظ توازنه في الهواء).
وكان له سيف يسميه لعاب المنية – كانت المغرفة أقطع منه- فدخل بيته كلب ليلة من الليالي دون أن يدري به، فلما أحس حركته في إحدى غرف البيت توهمه لصاً، فقام خارج الباب وقال: أيها المغتر بنا، المجترئ علينا، جئت والله إلى خير قليل، وسيف صقيل، ونفس تأبى الضيم وتأنف العار، جارها آمن، وعدوها خائف، أما سمعت بلعاب المنية – ثكلتك أمك- مشهورة ضربته، لا تخاف نبوته، يقرب الأجل، ويبطل الأمل. أما تخشى.. إن أدع قيساً ملأت عليك الأرض خيلا ورجلا. فيا سبحان الله ما أطيبها وأكثرها! ما أنت والله ببعيد من بائقتها، والرسوب في لجتها، إن أقمت وثبت على طغيانك، وإن هربت أدركتك.
وكان إذا تكلم هدأت حركة الكلب فإذا سكت تحرك ليخرج، فما زال ذلك دأبهما وهو يعد ويوعد ويخاف أن يدخل، حتى إذا انصرف عن الباب يائسا خرج الكلب يجري فتنحى أبو حية عن طريقه فزعا وقال له: الحمد لله الذي مسخك كلباً، وكفاني منك حرباً. ثم لبث فترة لا يدخل البيت، فقيل له: ما لك لا تدخل؟ فقال: لعل اللص في البيت وقد خرج كلبه.
وفي أواخر خريف عام 1982 خرجتُ من حي بدوي مع صديقين لي أحدهما نسخة مصدقة من أبي حية النميري (في جبنه فقط) فمررنا بإبل فيها فحل هائج فارتأينا أن يثبت أحدنا شجاعته بالجلوس في طريقه ويسوقه الآخران إليه – ولا أدري هل استهدفنا إجبان صاحبنا بذلك- فجلست أنا فلما ابتعدا خطوات تنحى ثالثنا عن صاحبه ونظر إلي وقال: “گلت لك.. وهاي ردو امعاه اعليك”!