ثقافة

ظرافات وظرفاء (52) / الأستاذ: محمدو سالم ولد جدو

حين تعقد المؤتمرات في إحدى دول المغرب العربي الشقيقة يوجه المؤتمرون رسالة شكر وولاء إلى الشخصية الأولى هناك، وغالبا ما يصفونها – زيادة على صفتها الرسمية- بأنها الأولى منهم حسب مجالهم؛ فإذا كانوا مفكرين وجهوا الشكر والثناء إلى “المفكر الأول” وإذا كانوا رياضيين فإلى “الرياضي الأول” وهكذا. (كان هذا يحدث حتى نهاية القرن العشرين ولا أعرف هل ما زال كذلك).
مرة عقد في تلك الدولة كبار الطباخين مؤتمرا كبيرا تداعوا إليه من كبريات فنادق العالم ومطاعمه ودام أياما جاد فيها كل طاه بما أنضجته قريحته فشنف الصحون والآذان، وأمتع الأنوف والمِعَدَ، وحلَّى الموائد والأفواه.. وفي النهاية وجهوا تأييدهم وشكرهم إلى “الطباخ الأول نصره الله” وهم يرون أن هذا وصف يزيد الموصوف به شرفا، ولا يرون مهنتهم أقل شأنا من سواها، ففوجئوا بوسائل الإعلام تمتنع عن بث بيانهم أو نشره أو الإشارة إليه نأيا بأنفسها عن العطب. وبعد ما انتبهوا – أو نُبِّهوا- أعادوا تحضير البيان بعيدا عن مفردات المطابخ فمر بسلام.
لو كنت ذلك الزعيم – رحمه الله- ووصفوني بأني الطباخ قبل الأخير (بل ولو الأخير) لشعرت بالفخر ولوجهت إليهم ملتمس تأييد ومساندة ودعم مطلق على طريقة المتملقين الموريتانيين! فأنا لا أعلم عملا يدويا أو بدنيا إلا ولي فيه نصيب قل أو كثر؛ باستثناء الطبخ، فتجاربي فيه جديرة بإكساب العقد النفسية لمن له قابليتها.
رغم هذا فأنا في الغالب آخر داخل إلى مطبخ المنزل ليلا، وقد أكون أول داخل إليه صباحا، تفقدا لإغلاق القارورة ومنافذ الغاز. وعلى نحو يذكرني بما يقال في الأسطورة الشعبيىة إن الشيطان لا يكل إتلاف الكتب إلى أتباعه فأنا أيضا لا أكل استبدال قوارير الغاز الفارغة وتركيب صمامات لبدائلها وتثبيتها وتجربتها إلى غير نفسي، ولا أتهاون فيما يتعلق بالغاز.. كل ذلك حرصا على السلامة من مصائبه وكوارثه.
أما تجاربي في مجال الطبخ فهي فريدة.. وربما أعود إلى بعضها؛ عسى أن يكون قابلا للاستهلاك مكتوبا، وإلا فلا غرو.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى