نبذة من حياة العلامة المختار ولد ابلول
د العلامة المختار ولد سيدي ولد ابلول (التاه) سنة 1310هـ في ولاية اترارزة وتحديدا ببلدة “أنجوك” بالقرب من المقبرة الشهيرة “تنضله” الواقعة في الجنوب الغربي من مقاطعة المذرذرة والشمال الغربي عن مدينة روصو.
كان ينتمي ولد أبلول إلى أسرة ذات شهرة ذائعة ومكانة عالية في العلم والفضل والورع والتقى، حيث نشأ بين أحضان أبوين كريمين كانا يغذيانه بماء المجد والفضيلة والكرامة، كان أصغر إخوته سنا ولقد كان والده سيدي فقيها بأحكام الله عاملا بها، وكانت والدته مريم منت عُبيدْ ولد الخرشي مثالا حيا للمرأة صالحة الملتزمة .
كان شديد الذكاء سريع الفهم مولعا بالمطالعة، وبفهمه الثاقب وهمته العالية تصدر وهو في ريعان شبابه فأصبح من فطاحلة علماء زمانه وأذعن لعلمه علماء عصره …!
دراسته ومشايخه :
تلقى تعليمه المحظري مبكرا على يد والده سيدي، حفظ القرآن وأتقن علومه ضبطا ورسما وتجويدا، ثم السيرة النبوية وأيام العرب والمعلقات وبعض المتون الفقهية، قبل أن يذهب به والده سيدي إلى الولي صالح الشيخ أحمد بنمبه البكي في زيارته إلى بلدة (سهوة الماء) بالقرب من مقاطعة اركيز، فأمره الشيخ أن يقرأ عليه بعض آيات كتاب الله العزيز، ففعل فوضع الشيخ يده على صدره وقال : “بارك الله في ما هنا لك”.
بعد وفاة والده حط الرحال بمحظرة العلامة عبد الله ولد مختارنا الحاجي، قبل أن يلتحق بالعلامة يحظيه ولد عبد الودود الغناني، فقرأ عليه العبادات من مختصر خليل ودفع إليه كتابا يعتقد أنه الحطاب .
ومن شيوخ العلامة ولد أبلول: ببها محمد فال ولد أحمد ولد العاقل الديماني، والعلامة حامد ولد محنض باب الديماني، وكانت دراسته عليهما شبه مناظرات، وبعد مدة ذهب عن حامد فسعاه بنفسه – أي حامد – وجلس معه تحت شجرة ورسم له عموميات المنطق .
طاف العلامة التاه بعدة محاظر موريتانية نذكر منها لا حصرا: محظرة أهل الشيخ القاضي والمعروفة بمحظرة ” أهل الصفرة والخظرة ” وزار كثيرا من جهابذة العلماء، سواء محليا أو ما هو خارج الحدود بالسنيغال كالعلامة ابن سودة المري وقد أعجب بعلمه .
لعبت والدته مريم منت عبيد رحمها الله دورا كبيرا في تعليمه بعد وفاة والده سيدي، فكان إذا أتاها من إحدى رحلاته المحظرية تضرب له خيمة بجانب منزلها ليتفرغ فيها للمطالعة والبحث .
محظرته وتلاميذه :
بعد رحلات طويلة ومناظرات علمية عديدة، ألقى ولد أبلول عصى الترحال ليستقر بين ظهران أهله مدرسا مختلف العلوم وهو لم يتجاوز عشرين عاما بعد .
تواصل العطاء العلمي لمحظرة العلامة المختار ولد أبلول في الحل والترحال، إلى أن قدر لها أن تستقر أخيرا في قرية المبروك التابعة لبلدية تكنت، أثناء فترة شهدت فيها أوج ازدهارها عقودا من الزمن، فشدت لها الرحال من كل صوب وأقبل عليها الطلاب من كل فج عميق لينهلوا من معينها الفياض الذي لا ينضب، يقول المؤرخ والأديب المختار ولد حامد:
كُنَّـــــــــــــــــــا بمدرســــــــــــةِ المبروكِ آونــــــــــــةً
نَعشُـــــــــــــــــــــوا إلى ضــــــــــوءِ ذاكَ النيِّرِ النَّدسِ
كنـــــــــــــا نحلـــــــــــــقُ بــــــــــــــــــالمختار يؤنسنا
بمـــــــــــــــا يسلسله الراوون عـــــــــــــــــــن أنسي
وجــــــــــــــــــــــــابر وابن عبــــــاس فيذكرنــــــــــا
مــــــــــن الحديث بمــــــــــــــــــا قد كـــــان منه نسي
ونستفيد بــــــــــــأحكــــــــــــام مــــــــــــــــــــــؤسسة
مــــــــــن الأصـــــــــــــــــول على رأس مـن الأسس
وكقول العلامة محمد المختار ابن محنض التاشدبيتي :
دار بني الحــــــــــــــــاج لدى المبــــــــــــــــــــــروكِ
بهــــــــا قيــــــــــــــــام ديننــــــــا المتــــــــــــــــروك
ومن أبرز من دَرس على العلامة المختار ولد أبلول: العلامة ألمين ولد العيدي التندغي رحمه الله، الشيخ العلامة محمدالحسن ولد أحمدو الخديم اليعقوبي أطال الله بقاءه، العلامة الراحل بداه ولد البصير التندغي، وعبد الودود ولد جمال أطال الله بقاءه، والعلامة الراحل سيدي ولد حميدي رحمه الله، وأحمد الكريم ولد زياد أطال الله بقاءه، إضافة إلى الأستاذ الحمد ولد أحمد الأخواوي، والشريف القاضي أحمد سالم ولد ملاي اعل، ومن بين الطلاب السينغاليين: حفدة الولي صالح أحمد بنمبه : المصطفى لوه والشيخ أنجاي .
مكتبته :
تعتبر مكتبة العلامة التاه من أغنى المكتبات الأصلية في ولاية اترارزة حيث تعتمد على كم كبير من المخطوطات القديمة ذات الأهمية الكبيرة والكتب التي عز وجودها آن ذاك، وقد ضاع منها الكثير في حدود الخمسينيات من القرن المنصرم إثر حريق شب داخل المكتبة، فضلا عن عدة عوامل أخرى إلا أنها ولله الحمد لا تزال تحتفظ داخلها بعدة مخطوطات قديمة وكتب أصلية .
وقد ترك له والده سيدي مكتبة تسخر بمختلف الكتب في معظم الفنون ومن ما يدل على ذلك أنه يوجد بمكتبته حاليا ديوان المتنبئ بخط جده أبلول ورسالة القشيري بخط جده محمد، وعدة كتب مخطوطة بخط والده سيدي نذكر منها ” الميسر ” والإتقان في علوم القرآن .
وقد كان لدى التاه تلاميذ مغاربة يتاجرون بالكتب ويهدونها إياه وكانوا يعرفون بأهل بوغارب أصحاب مكتبة عريقة بمدينة ” سينلوي ” السنغالية وقد قام العلامة بزيارة لها في فصل الصيف، فيُروى أنه دخل فصل الصيف وقضى بداخلها نحوي ثلاثة أشهر وخرج منها بداية فصل الربيع فإذا الأرض قد أخضرت بثوبها الجديد فقال : سبحان الله متى هذا ؟ قالوا له : منذ ثلاثة أشهر ولم تخرج من المكتبة .
مؤلفاته :
له عدة مؤلفات منها :
– شرح نظم العلامة عبد الله ولد مختارنا الحاجي لورقات إمام الحرمين .
– شرح على نظم الشيخ المقري (إنارة الدجنة) .
– تحفة الطلاب لنيل الإعراب .
– العجالة .
ومن التآليف التي لم تكتمل:
– تأليف في علم الفرايض “شرح للمختصر” .
وله رسائل عديدة منها:
– توازن الحقوق في أمد اللحوق .
– رسالة تضمين عامل القراض .
– رسالة في الجيم .
إضافة إلى ذلك عدة أنظام في علم العقائد والفقه والنحو .
ومن مؤلفاته القصائد المسماة: “الحدائق الجامعة للأمة السامعة”، وقد ركزت على استنهاض الشعب الموريتاني من أجل حريته وموقفه والارتقاء به لمواقفه الدينية من العلوم العصرية وفيها مواضيع غريبة تتحدث عن الكثير من المسائل التي نعيش في عصرنا حاليا من علوم عصرية وتقنيات حديثة ورياح عولمة متسارعة، وقد كانت هذه القصائد في غاية الجودة والسلاسة .
أقوال علماء عصره فيه :
لقد كان العلامة المختار ولد ابلول عالما أصوليا محدثا مؤرخا لغويا متبحرا في جميع العلوم توحيدا وفقها وسيرة ومنطقا وبيانا وشهد له بذلك علماء عصره، يقول العلامة القاضي محمذن ابن أحمد فال الديماني: “لو كان للائمة خامس لكان المختار ولد ابلول خامسهم” .
وقال غيره :
.. ولكن إلى الحبر إبن ابلول شيخنــــــــــــــــــا
وأستاذنــــــــــــــــــا المختــــــــــــــــــار عين الأجلــة
تنحى وصــــــــــــــــــف مــــــا فيه إن كنت قادرا
ولـــــــــــــــــم تستطع لو كنت ألفــــــــــــــــــا لقلت
فمــــــــــــــــــا دون ما حـــــــــــــاز النبيؤون حازه
مــــــــــــــــــن العلم والتحقيق في كــــــــــــل ملت
ولم تدرك الأقطاب مــــــــــــــــــا كان مدركـــــــــــا
مــــــــــــــــــن الزهد لو صــــــــامت كثيرا وصلت
ولــــــــــــــــــو لم يهبه الله للنـــــــــــــــــاس رحمة
عــــــــــــــــــن الحق أو عيـــــــن الشريعة ضلت
وفاته :
لقد اهتم العلامة المختار ولد أبلول بالكتاب والسنة وتدريسهما والعمل بهما ودعوة إلى تعلمهما إلى أن توفي ظهر السبت فاتح ربيع الأول1395 هـ الموافق 14 أكتوبر 1974، ويرقد جسده الطاهر بمقبرة “تنضله”، فرحمه الله رحمة واسعة وجزاه عنا وعن الأمة الإسلامية أحسن الجزاء.
بقلم : الناصرة منت الدي ولد العالم