الأديب محمد ولد عبد الله/ بقلم إكس ولد إكس اكرك
محمد ولْ عبدِ الله
في سنة 1927 بنى المستعمر مدينة تامشكط علي تلة عالية انتقاها بعناية ليرصد من خلالها أي تحرك مناوئ، وتنتصب مدينة تامشكط وسط رمال ذهبية لا تعرف السكون، منفذها الوحيد إطلالتها الشمالية علي الوادي الذي يعتبر امتدادا لوادي أفله فتغذيه سيول العاگر المعروفة بالماء.
تتعانق سمرة الرمال مع خضرة الوادي على أرض تامشكط لتتشكل لوحة فنية منقطعة النظير، وبنى المستعمر دار الحاكم ومبنى “قوم الوطن” والمدرسة والمستوصف ومكاتب البريد والبيطرة و الزراعة والمحاسبة المقاطعية “بيت المال”.
في سنة 1938 كانت المدينة على موعد مع حدث استثنائي، حيث ازدادت ساحة المنطقة الاجتماعية و العلمية والثقافية بمولود جديد، إنه محمد ولد عبدِ الله الداودي نسبا القلاوي موطنا، درس محمد العلم على ذويه فحفظ القرآن ونهل من علوم الشرع والعربية وظهرت عليه حدثا مخايل النجابة والذكاء، وعاش في جو علمي وثقافي قل نظيره، حيث محظرة العلامة المحفوظ ولد سيدينا الذي تضرب إليه أكباد الإبل من كل حدب وصوب سيرا على نهج جده سيدي محمد ولد أعل الذي يقول فيه العلامة سيدي عبد الله ولد الحاج براهيم:
وكل ما أفتى به العلوشي :: فهو كما في الحجر المنقوش
عاش الفتى ول عبد الله حياة تتميز بالفتوة، ونبغ في الشعر الفصيح والعامي، وتميز منذ كان فتى حدثا بقربه من قلوب الناس ومحبتهم له، وكان عبدا صالحا حسن السمت نديّ الصوت حلو المعشر، فكانت تفد إليه الوفود فينال كل مبتغاه، وكان المحيط الاجتماعي للرجل محيطا محافظا إلى درجة أن أغلب الإنتاج الأدبي لول عبدِ الله ضاع في حياته كما عمل الأهل على ذلك من بعده.
وكان كريم الطبع وكل كريم طروب، يحكى أن معاوية بن أبي سفيان استضاف عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأكرمه وأنزله في داره، وأرق معاوية ذات ليلة وقال لخادمه: اذهب وانظر مَن عند عبد الله بن جعفر وأخبره أنني قادم. فذهب وأخبره، فصرف عبد الله كل من كان عنده، فلما دخل معاوية لم يجد عنده أحدا، وأخذ يسأله عن مجالس من كانوا عنده حتى وصل إلى المجلس الأخير، فقال له عبد الله: هذا مجلس رجل يداوي الآذان يا أمير المؤمنين، فرد عليه معاوية: إن أذني عليلة فمُرْه أن يرجع إلى مجلسه، فدخل “بديح” المغنّي، فقال له معاوية: داوِ أذني من علّتها، فتناول العود وغنى:
وَدِّعْ هُرَيْرَةَ إِنَّ الرَّكْبَ مُرْتَحِلُ::وَهَلْ تُطِيقُ وَدَاعاً أَيُّهَا الرَّجُلُ؟!
فحرّك عبد الله رأسه طربا، فسأله معاوية: لم حركت رأسك يا ابن جعفر؟!
فقال: أريحيّة أجدها يا أمير المؤمنين، لو لقيت عندها لأبليت، ولو سئلت لأعطيت، وقال ابن جعفر لبديح: غنِّ غير هذا فغنى بديح شعرا رقيقا، فطرب معاوية طربا شديدا، وجعل يحرك رجله، يرفس بها ،فقال ابن جعفر: يا أمير المؤمنين، لمَ حرّكت رجلك، فقال معاوية: كل كريم طروب.
كان الفنانون يفدون على ول عبدِالله وكانوا يأخذون له الهول وكان يطرب لذلك ويقول لهم الشعر استحسانا لأدائهم، وكانوا على ما يبدو يسجلون ذلك سرا، فقد سمعته في شريط سجله بعض الفنانين يقول: “أنتوم يخوتي أياك ما أتسجلو هاذ، إدور إجين حد الصبح ول انهار الثاني من شور كيفة ول انواذيبو رافد شريط من اجماعتنَ هاذي”
ومن انتاجه الأدبي، يقول ولْ عبد الله للفنان محمد ول بوبه جدو – رحمهما الله:
فما أمُّ كلثومُ تغني بنيلها::ربيعَ شباب النيل أوجَ ربيعه ِ
ولا حَمّ يشدُو بين شمٍّ أكارمٍ::سحيرا ولا سدومُ عند بديعهِ
ولا الأعورُ الشادي يردد مدح منْ::له رتبة بين الأنيمِ جميعهِ
بأحسن من صوت ابن جدُو محمدٍ :: معلّمِ أهلِ الفنِّ حسنَ صنيعهِ
ولا عوده “بلغامه ” في نغماتها * تحاكيه في مجتثه وسريعهِ
وله:
لِمريمَ عرج عن سواها وسلم:: فما كل وسنان الجفون كمريمِ
ولا كل درٍّ مثل در ابتسامها :: إذا ابتسمت عن كاللآلي منظّمِ
حلفتُ بر ب البيت جل جلاله :: وبالمروتين ووبالصفا وبزمزم
لَمريمُ إحدى الحور حسنا ومنظرا :: وهل بعد وصل الحور خوف جهنمِ؟
وفي لغن الحساني :
حس الزّّي ؤذيك أغنم :: والزّّي اللا عند الحيَّه
يحيَّ ما فيك أمريّم :: من جاب إكين انك حيَّه؟
ويقول في الفنانه ديمي منت أبّ:
أيا زهرة الجيل المعاصر بادري:: وردّي فؤادي للشباب المعاصر
ولا تتركي ذكر الإله فإنه :: هو الشهد يشفي من هموم الأكابر
أيا ديمي إن النصر حلفك دائما::ذرى العز والعلياء والفخر فاخري
ويقول فيها :
ألا انبئك ويحك يانديمي ::بما أضفى عليّ من النعيم
فلا مالا تراه ولا عيالا :: ولكن يانديمي صوت ديمي
ويقول:
ياكوكب الغرب الذي بطلوعه :: أفل المنير من الكواكب مذ بدا
ويقول:
يانجمة حجب الكواكب نورها :: وغدت تشيد بفنها الأيام
ويقول:
ﺿﺮﺏ ﻟﺪﻳﻤﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻭﺗﺎﺭ ﺃﻭﺭﺛﻨﻲ ::ﺿﺮﺑﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻦ ﺃﻭ ﻣﺴﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺒﻞ
ﻟـﻜﻨﻤﺎ ﺻـﻮﺗﻬﺎ ﻳﺸــﻔﻲ ﻋﻠﻰ ﻋـﺠﻞ :: ضربَ ﺍﻟﺠﻨﻮﻥ ﻭﻣﺲَّ ﺍﻟﺰﻳﻎ ﻭﺍﻟﻮﺟﻞ
عاش محمد ولد عبد الله حياة الفتوة بكل المقاييس وكان يتميز بالصلاح وكثرة التعبد. يروى أنه قال : ” أجد السعادة في اثنتين: العبادة ومجالسة العقلاء”، عمل ول عبدِالله في المجال التربوي فمارس التدريس وعين مديرا لمكتبة المعهد التربوي الوطني إلى نهاية سنة 1993 حيث ترك هذه الدنيا الفانية قادما إلى عفو ربه الكريم، لتفقد برحيله الساحة الأدبية والتربوية أحد أهم أساطينها.