ثقافة

ظرافات وظرفاء (48) / الأستاذ: محمدو سالم ولد جدو

في شتاء 87- 1988 مررت بإحدى القرى البدوية فزرت عائلة من ذوي الروابط الوطيدة بأسرتي منذ تاريخ بعيد، وهي روابط قد يكون أقلها شأنا النشأة والرضاع.
تخير المضيفون لمقيلي “امبارْ” فسيحا مريحا مرتب الأثاث وتفننوا في إكرامي جزاهم الله خيرا.
كانت ربة المكان تقود الفريق المعني بضيافتي فأزالت عني العناء بتدليك ظهري وأطرافي، ثم انتقلت إلى رأسي فأنفقت وقتا في فليه بحثا عن حشرة أو قشرة.. وفجأة نهضت إلى طرف مسكنها فاستخرجت شيئا من علٍ وفكت رباطه ثم أخرجته من وعاء بلاستيكي وبدأت تزيح عنه ورقة من أوراق الجص لف بها بعناية، حتى إذا تمت إزالة القشور خطت نحوى باللب ومدت يدها به قائلة: أنتم (فئة س) إذ زرتمونا نحن (فئة ص) تعانون السأم، لكنك أنت اليوم لن تعانيه؛ بل ستستفيد.
تناولت ما بيدها فوجدته كتاب تعليم القراءة للأطفال وفتحته فكان أول ما وقعت عليه عيني “كلب.. دكان.. ديك” بالأسماء والصور، وقد ميز الكاف في الثلاث باللون الأحمر.
تصفحت الكتاب أولا لداعي الأدب؛ خصوصا وأنني ليس لدي شاغل عنه، وبعد صفحات معدودة عدت إلى بدايته وقرأته “من الغلاف إلى الغلاف” متتبعا – هذه المرة بعين الناقد- الجهد المبذول في الكتاب ومردوده التربوي المتوقع.
سُرَّتْ مضيفتي باستغراقي في مطالعة الكتاب، ولكنها لم تستغربها؛ فهي لا ترى فرقا بين كتاب وكتاب. وفي المساء ودعت القوم شاكرا وانصرفت بفكرة خلتها مكتملة عن كتاب القراءة ومن وراءه؛ أين كبا، وأين وُفِّق، وأين كان بالإمكان أبدع مما كان.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى