
ظرافات وظرفاء (46) / الأستاذ: محمدو سالم ولد جدو
حدث شيخ من أهل “موريتانيا الأعماق” – ربما كان يحفظ الفاتحة وسورة من قصار المفصل- عن نفسه أنه نزل ليلة بحواء بدو في أحد أرجاء هذا المنكب البرزخي باحثا عن ضوال الإبل في إحدى رحلاته السندبادية (وقد “تعود أن لا يبرح الدهر ناشدا”) فكان مبيته ببيت أكرمه صاحباه وإن لم تَخْفَ عليه غيمة على وجهيهما، وأثناء الحديث تعسف سؤالهما عن السبب دون داع مناسب، وفي ظنه أن يجيبا بأنهما فقدا عزيزا أو تلقيا ما يسوؤهما من صروف الدهر فيعزيهما أو يخفف عنهما، وبعد إلحاح منه قابله تردد منهما أخبراه بأنهما كانا يلعبان “السيگ” ضمن آخرين، وكان كل منهما في صف، فتشاكس اللاعبون إلى أن أقسم المضيف على المضيفة (زوجه) بأيمان الفساق أن لا تمس “السيگ” فبادرت إلى إمساك الأعواد إصرارا على موقفها ونصرة لفريقها. وهكذا أمسيا أجنبيين بعدما أصبحا زوجين رغم خلو ماضيهما مما ينغصه!
هون الضيف على مضيفيه الحفيين وأكد لهما أن ليس ما جرى داعيا إلى انفصام الرباط الزوجي. وللبرهنة على ذلك سأل المرأة:
– قولي لي يا ابنتي – فلا حياء في العلم- هل تزوجك هذا الرجل برضي أبويك؟
– نعم.
– هل كان يمكن أن يتزوجك لو لم يرضيا؟
– كلا!
– وهل هما حيان؟
– أمي حية ورحم الله أبي.
– هل رضيت أمك بما تقولين؟
– لم أخبرها بشيء بعد.
– ولو علمت هل سترضى بأن يفارقك هذا الرجل الشهم؟
– لن ترضى فهي تقدره وتجله.
– إذن فلا تأثير لهذا ما لم ترض!
– هل أنت متأكد؟
– كل التأكد (وقهقه) أترين رضى أبويك ضروريا لزواجك دون طلاقك!
– ما حكمي إذن؟
– تغسلين يدك التي أمسكتِ “السيگ” بها، وتقولين عشر مرات: “يا رب أنا تائبة لك”.
قال الرجل الذي اكتفى بالاستماع حتى الآن: ما اسمك؟
صدَقَهُ صاحبنا في اسمه لأنه كان حسنا، وحين أعاد السؤال عن اسم أبيه وقومه أخبره بما تيسر له لأن اسمه العائلي بشع، وفئته غير مشهورة بالعلم.
وزيادة في التقصي سأله أين يوجد هذا الحكم؟ فرد بهدوء وثقة: “في كتاب اسمه أكوزاز” (بإشمام الزايين، وزادهما أن “المفتي” أغَنُّ).
بادرت المرأة إلى امتثال الفتوى وانشرح الزوجان السابقان وزادا في إكرام ضيفهما وتوقيره، وأهدياه الثياب والطيب ونحو ذلك (كل من ناحيته) وزوداه بما يعينه في باقي سفره.. ونام الثلاثة في هناء.
في أولى ساعات الفجر ارتفع صوت الأذان قريبا فبادر صاحبنا إلى راحلته فرحلها وأحقب غنيمته وحث السير قبل أن تنكشف الحقيقة فيسلب ما أعطي ويهان بعد ما أكرِم ويُذَل بعد ما أُعِز.