من روائع الحكايات والأساطير الموريتانية(28) / د. محمدو احظانا
أم الروايات
رواية شيوخ الأرض الثلاثة
قال الراوي:
لابد من أحجية قبل الحكاية حتى أختبر عقولكم وأنشطها:
حاجيتكم ما جئتكم:
“ثلاثة رجال، في الرق عجال، واحد يرعف، وواحد يزنف، وواحد يخبط بأم الشكرف”؟
عجزت الحلقة عن الإجابة تماما، واستلت أوتاد المرتادين واحدا خلف الأخر. قال لهم الراوي: سأحلها لكم الليلة لما أعيتكم.
الرجالة، هم: المطر الراعف، والرعد المدوي، والبرق الصاعق:
الفصل الأول
قيل لكم ما قيل لكم:
إن رجلين ضيعا ناقة عشراء في عام أصفر جاف الضرع.
لفما تيقنا أن ناقتهما نتجت خرجا يبحثان عنها فلم يجدا لها آثارا ولاعثارا.
تبادلا الرأي واتفقا على المرور بحاضرة الشيخ محمدو بن حبيب الرحمن، غربي بوتلميت، لأنه ملتقى الركبان، ومظنة ذكر أية ضالة إبل.
الفصل الثاني
نزل السيدان بخيمة الضيوف وأخذا يسألان عن ناقتهما، ويصفان ميسمها لمن لايعرفه، فلم يجدا من يذكر لهما مكانها.
قال لهم الشيخ محمدو ولد حبيب الرحمن، وكان يجالس ضيوفه ويخبرهم عن مراحل إنضاج طعامهم وإعداده، كرما منه:
-اسمعا وعيا:
شيوخ هذه الأرض ثلاثة: أنا شيخ الضيوف؛ والشيخ ولد اخلاخل شيخ الضالة؛ وباب ولد لد الشيخ سيدي شيخ المسلمين.
ومساهمة مني في إيجاد ضالتكم أهديكم هذه القطعة من القماش لتستعينوا بها.
الفصل الثالث
انطلق الرجلان منشدين: أين أنت يالشبخ ولد أخلاخل؟
ونزلا عنده قرب بوتلميت، وسألاه عن ناقتهما. فأجابهما:
-ثمة أمر تيقنوا منه وهو أنه لا يوجد أثر حوار على وجه هذه الأرض أبدا.
لكن إن أعطيتماني قطعة القماش المعلقة في رحلكما ذكرت لكما ذكرا أعمش.
سألاه:
-ماهو؟
-اعطوني القطعة أولا.
تبادل السيدان الرأي واتفقا على إعطائه إياها.
فقال لهما:
-اسمعا جيدا؛ منذو يومين كنت في حصن النصارى على ربوة تعبه ببوتلميت، وخرجت منها عصرا نحو أهلي هنا، وفي طريقي صادفت رجلا لديه مزرعة ذرة مستحصدة قرب احسي شداد، ولم أقترب منها. إلا أن الرجل سايرني يسألني فأجيبه وأسأله فيجيبني.
وقد لاحظت أن عرق الصحة يتصبب من ذراعيه وساقيه وأرنبة أنفه ونحن في عز الشتاء.
وإن صدقت فراستي فذلك لايقع إلا لمن يشرب لبن لقاح الإبل.
الفصل الرابع
استهجن الرجلان هذا الذكر والاستنتاج الغريب، وطلبا من الشيخ ولد اخلاخل أن يعيد إليهما قطعة قماشمهما فرفض، لأن بيعته معهما صحيحة، كما قال.
الفصل الخامس
انطلق الرجلان نحو الفلاح المذكور في احسي شداد فلما وصلاه ودخلا في المزرعةوجدا ناقتهما مثناة بعقالين في وظيفيها، وإذا فصيلها مربوط بها، وقد بني عليها الفلاح عريشا مغلفا ومسقوفا بقصب وأوراق الذرة البيضاء، ولا يمكن أن يراها إلا من دخل الحقل.
فقالوا للفلاح:
-هذه ناقتنا وقد سرقتها وأخفيتها هنا. سنشكوك لدى حاكم النصارى.
فقال لهم الرجل مبتسما:
– لم أسرقها وإنما أمرني النصراني الكبير الذي تهددونني به أن أعتني بها، وهو يأتيني هنا ليلة فأحلبها له ويشرب من لبنها ويستحم ببقيته لترطيب جلده، كما قال.
وليلة يغيب فأشرب أنا لبنها، ولن تتحرك من هنا حتى يصدر لي أمرا بذلك خوف أن يسجنني. وقد زعم ترجمانه أنها مسخرة من طرف الحكومة الفرنساوية.
الفصل السادس
دهش الرجلان من ذكاء الشيخ ولد اخلاخل، شيخ الضالة، ومن إشراقات ابن حبيب الرحمن شيخ الضيوف، فاتفقا على اللجوء إلى شيخ المسلمين باب بن الشبخ سيدي الذي كان له نفوذ في الفرنسييين. فلما أخبراه بخبرهما كتب لهما رسالة إلى حاكم بوتلميت، طلبه فيها أن يعيد للرجلين ناقتهما.
****
قرأ الترجمان الرسالة المكتوبة بالعربيةعلى الحاكم الفرنسي فأصدر مذكرة تلغي مذكرة التسخير التي أصد.رها عند عثور مساعديه من قبل على النقاقة اللقحة.
وأرسل معهم قوما من الحرس ليسلموا لهما ناقتهما بموجب المذكرة التي أصدرها، ويوقع له الرجلان على محضر التسليم الذي حرره سكرتيره الخاص.
****
لما استلم الرجلان ناقتهما وفصيلها مرا بالشيخ ولد اخلاخل فزادوه نقودا على قطعة القماش، ثم مرا بالشيخ محمدو بن حبيب الرحمن وزاراه لصلاح الدنيا والآخرة، وعادا إلى مخيمهما بناقتهما الحلو، التي لولا شيوخ الأرض الثلاثة لما حصلوا عليها (شيخ البذل والعطاء، وشيخ الخبرة والمعرفة، وشيخ التدبير والسياسة). هؤلاء هم شيوخ الأرض الثلاثة الذين لاغناء لأي زمان ولا أي أرض عنهم.
قال الراوي:
“وربطت أنا نعلي على رجلي، ورجعت عنهم إلى أهلي أحدث برواية شيوخ الأرض الثلاثة، أبقاني سالما أحدث بها دائرا عن دائر.
م. أحظانا