ثقافة

المرتضى محمد اتفاغا يكتب:

قصاص..
كنا نسير على الشارع المتجه شرقا من طريق الأمل(قيادة الحرس) إلى شارع جمال عبد الناصر قرب آفاركو..
فلاحظنا حشدا مختلطا، وضجيجا لا يهدأ قرب إحدى دور الحي L، فتوقفنا لأن الطريق شبه مسدود، فأرغمنا ذلك على أن نكون جزءا من المشهد…
كان طفل وطفلة صغيران يلعبان في الشارع، يتناوبان على تمثيل دور الحمار، فيركب أحدهما على الأخر وفي يده عصية صغيرة كأنه يهش بها على الحمار ليتحرك، وإذا انتهى دور أحدهما خلفه الآخر..
بينما كان الطفل في حصته، راكبا على الطفلة، ويلمسها لمسا خفيفا بعود من الخلف، ويقول(عر..عر..) رأتهما امرأة في شارع بعيد فصاحت(أهل الدار منتكم دخل فيها اطفيل عود)، فكانت صيحتها كالنار في الهشيم، احرنجم الناس من الشوراع المختلفة، ونزل أهل الطفلة إلى الشارع، وهم أسرة ضخمة، غنية، تسكن في منزل من طابقين، ونزل شيخ وقور، بزي أنيق، وغال، والطفلة حفيدة إحدى بناته، نزلت خالاتها، وخالاتهن، وأخوالها، وبنات الأخوال، وأبناء الخالات حتى غص المكان بأسرة الطفلة(الحمار)، وبعض الشهود الذين لم يروا المشهد يسردونه بسند موضوع، ومختلق مهولين، ومضخمين، ويقسم بعضهم أنه رآه بأم عينه التي ستصبح يوما على حالة غير هذه(يعني بعد الموت) يقسم أن الطفل شرع في إدخال العود في الطفلة..والأسرة تزبد، وترعد، وتتوعد، وتهدد…والصغيران غائبان في الصراخ، والبكاء من الخوف، لا يدريان ما يصاغ حولهما، ويختلق عليهما..الطفل في يد أحد أقارب الطفلة، يصرخ، وينادي أمه..
أم الطفل(كوريه) صباغة، منشغلة بعملها على جانب الشارع الآخر تحت شجرات ضحمة من (كيني)..التحقت إحدى قريباتها بالحشد، ولما رأت الطفل جرت إلى أمه لتنبئها..
نفضت الأم يديها من مرجل الصباغة، وبسرعة أدخلتهما في سطل ماء لتخفف السائل الأخضر السميك، وانطلقت تعدو، وتبكي…شقت الصفوف بعنف حتى وصلت إلى ابنها وهو يصرخ، ويحاول التحرر من الرجل الذي يشد وثاقه بجزء من ردائه.. فصاح الناس عليها بجريمة ولدها…أجالت الطرف في وجوه الجماهير، فلفت نظرها الشيخ المهيب، رجل الأسرة الكبيرة، ففهمت أن له علاقة بالصغيرة، ولاحظت احترام المحيطين به له، وتوقيرهم إياه، فصاحت عليه في توسل قائلة، بحسانيتها الهشة المباشرة(الراجل هاه، آن وليدي دخل فمنتك أنت عود، وهاي أنت دخل فيَّان عود وخل وليدي) قالت هذا في أسلوب استرحام جاد، وعيناها تدمعان..نظر الناس بعضهم إلى بعض، وهم يكابدون حبس ضحكات مخنوقة، كان انفجار بعضها شديدا، ومباغتا حين ندت، وخرجت عن السيطرة..
ارتبك الرجل، وأخرج منديلا مسح به عرقا لا وجود له، حك أنفه، داعب لحيته البيضاء القصيرة، ثم انسحب بعسر لازدحام الناس حوله، وقد حطمت أم الطفل كبرياءه بكلماتها البريئة أمام أمة من أبنائه، وأحفاده..وغاب الناس في أمواج ضحك، وتفرقوا بعد اجتماعهم على باطل، واتهام طفل بريء بجريمة بشعة، وتحرر الطفل من يد ممسكه، وعاد مع أمه إلى ظل الشجرة مضطربا لا يفهم شيئا مما حدث..
ستعاني الطفلة من نفس الآلام، ستكشف عورتها، وتفحص مناطقها الداخلية، ويعتدى على براءتها بعد أن حولت سردية من بنات الشوارع المتسخة، لعبتهما البريئة إلى مأساة لا يفهمان منها شيئا..

فلا هي مع الطفل تشعر أنها أنثى مع ذكر، ولا الطفل معها يحس أنه ذكر مع أنثى…


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى