ثقافة

التنبؤات المناخية في ثقافة الصحراء/ ذ. محمد مولود الأحمدي

لا شكَّ انَّ التنبؤاتِ المناخيةَ تشكل تمظهرا من تمظهرات الثقافة الحسانية في شقها اللامادي ، وتعكس نباهة الإنسان الصحراوي ورجاحة فطنته حتى أمسى نابغةً بالعراء ، حيث إنَّ هاجسَهُ الوحيد تتبع وترقب حالاتِ المناخ على مدار الفصول الأربعة ، لِما يمثله ذلك من ضرورة حتمية في ضبط إيقاع الخط الرعوي إذا ما وضعنا في الحسبان أهمية الرَّتْعَه في نواميس البدو حِلا وترحالا .
ومنه فقد استطاع الصحراويون ابتكارَ أساليبَ و تقنياتٍ بدائية يعتمدونھا في استشعار الظروف المناخية ، والتنبؤ بمآلاتِها طقسًا وجوَّا ، ‘إلى درجة أنهم خبروا الاهتداء بالنجوم ، واقتفاء الأثر في تحدٍّ تام لقانون الفيزياء والطبيعة ، فالإنسان عموما وحسبَ المفكر “ليفي ستراوس” كائن ثقافي بامتياز يستطيع أن يكيف عديدَ الوسائل والأساليب في الحياة لتناسب نمط عيشه ، وبالتالي فإنَّ أهل الصحراء كانت لهم ضرورة ملحة في استكشاف آليات خاصة لرصدِ المناخ حيث استطاعوا عبر مر السنوات مراكمة تجاربَ عدة ستوظف فيما بعد كأجهزة استشعار لا تخطئ التوقعات في غالب الأمر ، وتساعدُ على تدبير نتائج ومآلاتِ هذه الحالات المناخية تجبنا لوقوع كوارث طبيعية قد تنسفُ الانسان والحيوان معًا من خلال وضع خطط احترازية محكمة .

كثيرة هي تجليات التنبؤ المناخي في ثقافة الرحل بدمن و ربوع الصحراء الممتدة من وادي النون شمالا، مرورا بعيونِ الساقية الحمراء و روافدِها ، فزمور ، لكْرَبْ ، الخط ، لحدب ، أكركر ، أمكرز ، تيرس، آدرار ، إلى سهول لملاگة حيث مصب و مجمَع الأودية بالجنوب الغربي ، بيْدَ أنَّ التجليَّ الأبرز يتعلق بتوظيف ما يسمونه في لسانهم الحساني الدارج بِـ”الفالْ” (ترقيق اللام) ، كجهاز رصد يتعقب حالاتِ المناخ على مدار السنة ، توظيفا يعكس نباهة الإنسان الصحراوي ذي القريحة الثاقبة ، و ملَكَتِهِ الرهيبة في دقة الملاحظة و التفسير .

فإذا أقر الفلاسفة و علماء الاجتماع أنّ الإنسان -ككائن حي- في صراع أفقي أزلي مع الطبيعة من أجل البقاء ، وأسالوا حبرا رماديا كثيرا حولهُ ، فإنّ الإنسان الصحراوي استطاع مجاراة نسق الطبيعة بكامل تأرجحاتها ، معتمدا في ذلك على مراكمةِ تجاربَ جمةٍ أنتجتها السنون التي قضاها بالبيداء حِلاًّ و تِرحالاً .

و يُستعانُ في جهاز الرصد هذا (الفالْ) بتفسير سلوكات الإبل و ما يصدر عنها مِن حركات و أصوات ، أو ما يطبعها من حالات بيولوجية أحايين كثيرة ، كما يُعتمد فيه أيضا على مؤشرات أخرى ذات صلة بمُستقَرِّ الشمس ، و حجمِها ولونِها أثناء الشروق و الغروب ، و مستوى إضاءة النجوم بحلكة الليل ، إلى جانب سرعة و اتجاه الرياح حسب الفصول ، و حالاتِ البحر مدًّا و جزْرًا .

إلا أنّ الإبل تبقى المؤشرَ الأساسَ المعتمدَ في ” الفالْ” بالنسبة للإنسان الصحراوي ، فهي لا تخطئ الرصد إطلاقا ، حتى أصبحت نشرة جوية قيْدَ المشاهدة بشكل مستمر ، لِمَا تتمتع به مِن أسرار ربانية جاءت في محكم التنزيل بصيغة السؤال استنكارًا “أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلِقتْ”.

ومن بين تجليات (الفالْ) الخاص بالإبل نذكر على سبيل المثال لا الحصر مايلي:

■الزَّايْلة اللي تَنْتْفظْ فلمراحْ ذيك أمارة لَلْگَتْمَه .

■البلْ إلَيْنْ أتبَّركْ متباعدة أفْلَمْبارَكْ ولاهي على تجاه واحد ذيكْ أمَارة للْحمَّانْ ، والين تعود أمباركْهَا فبلْدْ ذيكْ امارة للبَرْدْ .

■الزايْلة الين اعود ريگْها أسلوكْ سايلْ ذيك أمارة عنها لاهي تشرب لغديرْ مزّالِتْ

■فالصيف الاتجاه اللي تطلس شورو البلْ من نفَسْها بشكل يومي بدون نزْگَة من الراعي ، ذاك لخريف لاهي اعود على تجاهُو .

■لبْكارِي اللي ايبرَبْخُو (بترقيق الراء) ذوك حاسات بالعام الزين اللي فيه التعشيرْ (بترقيق الراء).

ومن بين تجليات الفالْ الخاص بحالاتِ الشمس ومستقرها ومستوى اضاءة النجوم وسرعة واتجاه الرياح نذكر مايلي:

■الين تعود الشمس رايحة الا نگْطة دخنَة على حد الشمس من ساحل ذيك امارة للحمَّانْ ، والين اتعود حمرة وكبيرة وَسْتْ إلْصاگْ من النو لحمر ولصفر ذيك أمارة للبرد ، نفس الشيء أملي فطلوعها من شرگْ .

■الين تدرك الشمس فلنواوْ ولا تظهر النهار كامل ذيك أمارة للعَلامَة اللي هي طياح اسحاب وأمارة لَبرودْ املِّي .

■الريح الينْ اتعود مَتْرادَّة وتسكن ذيك أمارة لبَدولْ المنزْلَة .

■الريح الكبلية والساحلية أمارة للعلامة وكرب اطياح اسحاب ، والريح الشركية الين عادة اتعود الا للحمان ونادرا ماتجيب اسحاب كون ايلا عاد فمْ أسمَا شرگْ خصوصا فالصيف.
■لمزون اللي تطلع من گبلة شرگ موسطة من الصيف وتم إلى راص لخىيف فالھا ماھو شين اعييات الا تجيب مزْنَ زينة.

■الدَّشْوَة اللي تتنسمْ من تل ساحل جاية من لبحر الين تجي عاگِبْ العصرْ ولَّ أعْشَيْ ذيكْ امارة للْحمَّانْ .

■الين اعودو انجوم فالليل ظاويات حت ذيك امارة للبرد والين اعود وماهم ظاهرات حت ذيك امارة للحمانْ .

■إيويزْ بتفخيم الزايْ يقال في المأثور الحساني (الاَّ تابعْ ولَّ مبتوع) أي أنه مقترن بقرب نزول المطر ، و إيويزْ هو غمام هادئ خال من التيارات الهوائية يحجب الرؤية بشكل شبه تام .

■وهناك بعض المؤشرات الأخرى التي يلاحظها الإنسان الصحراوي على بعض الزواحف والحشرات والديدان والقوارض عندما تتواجد بكثرة على أديم الأرض كاليرابيع والفئران والفراشات حيث إنَّ لكل منها (فال) معين خاص بدرجات الحرارة أو قرب نزول المطر .

■إلى جانب ذلك لا يلخو الغطاء النباتي وما يطرأ عليه من نمو نسبي أو كامل في غير وقته المعهود من (فال) يشي بدنو عام يُغاثُ فيه الناسُ وفيه يَحْلِبُون .

مجمل القول إن ما راكمه الإنسان الصحراوي من تجاربَ كثيرة بشأن التنبؤات المناخية ، أصبح بمثابة نشرة جوية ترصد حالاتِ المناخ طقسا وجوا بتوقعات قل ما تخطئ القِمَن ، وتُعتَمَدُ في ضبط الايقاع الرعوي الذي يبقى من الأولويات بصفته شريان الاقتصاد البدوي.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى