ثقافة

من روائع الحكايات والأساطير الموريتانية(7) / د. محمدو احظانا

حكايات الأسود:
الأسد والكلاب المتوحشة

“قال لكم ما قال لكم، والبال لنا والبال لكم والبال لوليدات المسلمين”:
إن صيادا كان يكمن في غيضة من غياض هضبة تكانت، وإذا بأيل أرقط يتخير في العشب على سجادة خضراء في فسحة تحيط بها الأشجار، فأخذ يختلها حتى يبلغ منه مدى رمي بندقية “الفردي” التي يصطاد بها.
بينما كان يقترب رأى أغصانا تحركت في الوجه المقابل له من صف الأشجار فانتظر حتى لا يفقد رصاصته التي يجب أن يحمي بها نفسه المودعة لديه، من المجهول المتربص في الجانب الآخر، أولا.
لم تنقض لحظات حتى رأى أغصان الأشجار تتحرك عن يمينه. وانفرجت الأغصان في الأولى والثانية عن أسد غضنفر بملامح باكية متوحشة وكلبين متوحشين أسودي الفمين. كان الأسد يستجمع للانقضاض على الأيل، وكان الكلبان يتساحبان نحوها، فلما تراآى الطرفان صرفا الأنظار عن الغزالة.
برز الأسد مقعيا وانطلق الكلبان المتوحشان سهمين نافذين نحوه، فلما اقترب منه أحدهما كسر عنقه بعضة هائلة ورماه في السماء فتهاوى على شجرة، وعوى مرة واحدة، ومات.
التحم الكلب الثاني مع الأسد الضاري وهو يطلق هريرا مرعبا، ورمى الكلب الثاني حيث رمى أخاه، فعوى وهوى ميتا على الشجرة معلقا إلى جانب صاحبه.

****
لم يبرح الأسد مكانه فأحاط به أربعون كلبا متوحشا إحاطة المعصم بالسوار، كأنه خرجو من العدم.
نشبت معركة حامية، وهاجمت الكلاب المتوحشة الأسد في لحظة واحدة بموجة من الأنياب العصل، وتناهشته من كل جانب. وكلما مرت لحظات رمى الأسد كلبا هالكا في السماء وعواؤه يشق الأسماع.
انقضت ساعة طويلة والصياد لا يعرف كيف يتصرف؟ هل يهرب ناجيا بنفسه أم ينتظر أن تنتهي المعركة الحامية؟ وكان يخاف من الكلاب المتوحشة أكثر من الأسد لأنها لن تفلته إن نجا منها واحد.
اتكل على الله وأعد رصاصة الروح إن هاجمه الناجي من المقتلة، وكمن حيث هو.

****
بعد ساعة طويلة هدأ الهرير والعويل والعواء وإذا بجثث كل الكلاب مترامية في جميع الاتحاهات.
أما الأسد فكان مضرجا بالدماء وقد التهمت الكلاب المتوحشة صفيحتي ظهره ولحم قائمتيه الخلفيتين، وسحبت عينيه من محجريهما فتدلتا إلى أسفل. وكان يتنفس بصعوبة ولا يستطيع أن يبرح مكانه.

****
انطلق الصياد هائما على وجهه ونفسه تحدثه بإلحاح عن نجاة الغزالة منه ومن الأسد ومن أربعين كلبا متوحشا كانوا يحاصرونها، فهلكوا ولم يبق من المتربصين المتسلطين إلا هو. فلما جاء إلى أهله مرعوبا رمى بندقية صيده وترك الاصطياد إلى الأبد.

****
“وربطت أنا نعلي ورجعت عنهم سالما، أحدث بالحكاية دائرا عن دائر.”

م. أحظانا


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى