مقامة ولاتة للعالم المؤرخ المختار ولد حامدن
مقامة ولاتة
بين يدي المقامة:
الصور من داخل منزل قاضي ولاتة الإمام الطالب بوبكر بن أحمد المصطفى المحجوبي الولاتي رحمه الله.
زار العلامة المؤرخ المختار ولد حامدٌ ذات يوم، إحدى أقدم مدن المنتبذ القصي، إنها مدينة ولاته في أقصى الشرق الموريتاني، على بعد مائة كيلومتر من مدينة النعمة.
تنقل المؤرخ الكبير بين ربوع ولاته فزار المسجد العتيق، وصلى في صحنه، ثم زار (اگـدَنُّ)، وهو حي عتيق تدرَّس فيه العلوم الشرعية، وجلس في مجلس “الشفا” حيث كان يجتمع علماء المدينة الخالدة ضحوة كل يوم من رمضان لتلاوة باب من أبواب كتاب “الشفا في التعريف بحقوق المصطفي” للقاضي عياض بن موسى السبتي اليحصبي.
ثم مر على (الظليلة) حيث يجتمع طلبة العلم للتفسير على الشيخ ابَّ ولد شيخنَ محمدي ولد سيدي عثمان التاگاطي.
ودخل ابن حامد محظرة (دار التلاميد) الشهيرة التي كانت تحوي ما بين التسعين إلى المائة من طلاب العلم، وتعرّفَ فيها على طلاب شتى قادمين من مختلف أصقاع المنتبذ القصي.
تذوق ابن حامد وجبات “ولاته” الشهيرة مثل وجبة (المونْ و ديْديْ)، وكلمة (ديْديْ) عند الولاتيين تعني (التيشطار المطحون)، أما (المونْ) فهو نوع من لكسور يشابه إلى حد كبير كسرة (Blini) عند الإنجليز.
وشرب ابن حامدٌمن زريگة (دَقْنُ) الصباحية، و(دقنُ) شراب يصنعه الولاتيون من دقيق القمح والذرة، يخلطونه باللبن الرائب البارد، له طعم لذيذ، يجعلك لا تمل من شرابه.
زار المؤرخ المختار بن حامدٌ آثار المدينة التاريخية وأضرحة الصالحين وكبراء العلماء والأولياء، بما يشهد للمدينة التي أنجبتهم بعلو الكعب ورسوخ القدم في العلم والفضل.
أُعجِب المؤرخ (التاه) بعادات وأعراف المدينة الخالدة، فكتب مقامته المعروفة بمقامة ولاته:
المقامة:
“المقيم نحو الشهر في ولاته كلامه مفيد* تسبيح وتحميد* وترتيل وتجويد* للقرآن المجيد، وتجديد الفقه والتوحيد* في عقد الأشعري* وفقه مالك* وفي طريقة الجنيد السالك* مبتدؤه السلام* وطيب الكلام* والخبر المتم الفائدة* تقديم سورة المائدة*فاعله على الرفع مبني* وعامل رفعه معنوي* حروف جوابه نعم وبلى* وأفعاله مشتقة من العلى*ماضيه نعِمّا وحبذا* الذين آمنوا واتبعتهم ذرية بإيمان* ومضارعه يأمر بالعدل والإحسان* وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي* وأمره خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين* وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها* مصدره الإيمان والإسلام والإحسان* وأسماء فاعله المسلمون والمسلمات والمؤمنون والمؤمنات والقانتون والقانتات والصائمون والصائمات والصابرون والصابرات* وجمع تكسيره رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله* وجمع سلامته التائبون العابدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر* ومسلمات قانتات تائبات عابدات سائحات*
واسم فعله الدين والاستقامة* واسم صوته الأذان والإقامة* عند قوم همهم الصلاة وأوقاتها* قد شيبتهم هود وأخواتها* أسماؤها معارف* وضمائرها بارزة*
كالياء والكاف من ابني أكرمك :: والياء والها من سليه ما ملك
*مفرده علم* واسم جنسه برّه* ولقبه يشعر برفعة المسمى* وموصوله الرحيم* والمعطوف عليه الفقير* ومؤكده السنة* ومندوبه المندوب* ومناداه الضيف في الشتاء والصيف*
بولاتة الإحسان كل أوان :: متنافَس فيه بغير توان
فيها يقوم على أساس من قِرًى :: عهد وثيق الأصل والصنوان
الشيخ يقري الضيف فيها والفتى :: ويجله العلوي والمرواني
هـ “.
عند مغادرة المدينة الخالدة، اشتد الفراق على المؤرخ ، فجادت قريحته بقصيدة طويلة، قال فيها:
بلقيا بني والاتَ تحيى القرائح :: وتمسي رزايا الضر وهي صحائح
ولاتة نصف الدين والعلم والتقي :: تسيل بتقوي الله فيها الأباطح
أقمت بها حينا من الدهر صالحا :: وقد طاب لي حين هنالك صالحُ
ألا يا اسلمي واحيَيْ ولاتةُ وانطقي :: فموتك رزءٌ يا ولاتةُ فادح
“فما أنا من رزء وإن جلَّ جازع :: ولا بسرور بعد موتك فارحُ”
كامل الود
من صفحة sidi Mohamed (إكس ولد إكس اكرك سابقا)