ثقافة

في الود – تدوينة

الود هو الانجذاب بالمحبة وحب النفع نحو الغير.
وهو من مِنَنِ الله الكبرى على هذه المخلوقات، ومن الناس الساعون إلى إدامة الود الذين يُضحون في سبيله بالغوالي، وهم أصحاب النفوس الكريمة، الذين يتقنون فنون المُباسطةِ، والتجاوز وغض الطرف، ويُكْبِرُون في الغير صنائع المعروف، ولا يتملصون من الإخوان لكل سبب.
وهؤلاء هم صفوة المجتمع، وأداة تلاحُمه وتآخيه.
ومن هذا الصنف شيخُ الشيوخ العلامة/ يحظيه ولد عبد الودود، الذي يُروى عنه في هذا السياق أنه كان ذات يوم يُدرّس بعضَ طلّاب النحو من باب الإضافة ، و أنشد أحدهم منَ النصِّ بيتَ اليماني الشاهد على دخول ” الْ ” على الوصف المُضاف :
إِن يَغْنَيَا عنِّيَ المُسْتَوْطِنَا عَدَنٍ
فَإنَّني لسْتُ يومًا عنهما بِغَنِي
فقال لطلَّابه : ” أراني امشَهَّدْكُمْ كامْلِينْ عنِّي هذا البيْتْ زَيْنْ عندي ، ؤُمتْبَاعدْ عندِي امْعَ بيتْ الآخر :
فَمَن صّدَّ عَنَّا حَسْبُهُ البَيْنُ و القِلَى
و مَن فاتَنَا يَكْفِيهِ أَنَّا نَفُوتُهُ
فلم يترك قيمةَ الوداد الخُلقية الرَّاقيةَ في هذا البَيْت تمُرُّ دُون هذا التعليق المؤَثِّر ، وتلك رِسالةُ المُدَرِّس الناجح .
ولأهل الذوق والأدب أذواق وتجارب فيمن يُراهَن على ودهم وصحبتهم.
فقد قال بعضهم: لا تصحب من الناس إلا من يكتم ويستر عيبك، ويكون معك في النوائب، ويؤثرك في الرغائب، وينشر حسنتَك، ويطوي سيئتَك، فإن لم تجده فلا تصحب إلا نفسك.
وقيل لأعرابي: مَن أكرمُ الناس عِشرةً؟ قال: مَن إن قرب مَنَح، وإن بَعُد مدح، وإن ظُلِم صفح، وإن ضُويِق سمح، فمن ظفر به فقد أفلح وأنجح.
وقيل: شر الإخوان من كانت مودته مع الزمان إذا أقبل، فإذا أدبر الزمان أدبر عنك.
وفي هذا المعنى قال الشاعر:
شر الأخلاء من كانت مودته
مع الزمان إذا ما خاف أو رغبا
إذا وترتَ امرَأً فاحذر عداوتَه
من يزرع الشوك لا يحصد به عنبا
إن العدو وإن أبدى مسالمةً
إذا رأى منك يومًا فرصةً وثبا
ويقول عدي بن زيد العبادي:
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم
ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
ولبعضهم:
وكل أخ عند الهوينا مُلاطفٌ
ولكنما الإخوانُ عند الشدائدِ
وروي أن رجلًا جاء إلى مطيع بن إياس، فقال: قد جئتك خاطبًا، قال: لمن؟ قال: لمودتك، قال: قد أنكحتُكَها، وجعلتُ الصداق: أن لا تقبل فيَ مقالةَ قائل.
وفي وصف أهل الود الذين يستحقون ذلك، ويُنِيلونه يقول الجَد المرحوم: محمد الامين ولد سيدي محمود:
تُسائِلُنِي جُمْلٌ عنَ امْري جَهالَةً
فقلتُ لها :قد غَرَّكِ الجَهْلُ يا جُمْلُ
سَلِيني عنِ الأمر الذي أَنَا أهْلُـهُ
و لا تَذْكُرِي أمْرًا سِــــــوَايَ لهُ أهلُ
فهَمِّيَّ أنْ ألْقَى صدِيقًا مُساعِدًا
لِحَوْكِ قَرِيضِ الشِّعْرِ مجْلِــسُهُ يَحْلُو
يُفاكِهُني بالشِّعْرِ شَدْوًا ومَنـشَأً
وذِكْرِ أحـــاديثِ الفُتُـــــــوّةِ من قَبْلُ
فيَغْـــفِرُ منِّي أنْ أَزِلَّ،وإنّـــــــنِي
لَاَغْفِـــــرُ مِنهُ حيـــــثُ زَلَّ بهِ النَّعْلُ.
ولجرير الخطفي مذهبه الذي يرى فيه أن الود الحق هو ود الغانيات، والمحروم منه محروم
وَمَن يُعطَ وُدَّ الغانِياتِ فَإِنَّهُ
غَنِيٌّ، وَمَن يَحْرِمْنَهُ الوُدَّ يُحرَمِ
وهو مذهبٌ يُصادم مذهبَ سلفه حجر بن عمرو الكندي آكل المُرار الذي صدح به بعد أن فضلت زوجتُه هند البقاء مع من سبوْها بعد أن خُيِّرَت بينهم وبين زوجها فقال:
إِنَّ مَنْ غَرَّهُ النِّسَاءُ بِودٍّ
بَعْدَ هِنْدٍ لَجَاهِلٌ مَغْرُورُ
حُلْوَةُ الْعَيْنِ وَالْحَدِيثِ وَمُرُّ
كُلِّ شَيْءٍ أَجَنَّ مِنْهَا الضَّمِيرُ
كُلُّ أُنْثَى -وَإِنْ بَدَا لَكَ مِنْهَا
آيَةُ الْوِدِّ – عَهْدُهَا خَيْتَعُورُ

ومهما كان، يبقى الود في كل الأحوال شمعةً تُضيء عتمات هذا الكون وتُغالِبُ دياجِيَه على مَرّ الزمن.

من صفحة الأستاذ: الولي طه


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى