ثقافة

فرادة الدرس المحظري الموريتاني وأهم التحديات القائمة

في عجالة ليس الغرض منها استيفاء جوانب هذا الموضوع المتشعب، بقدر ما تهدف إلى لفت النظر إلى أهمية المحاظر وقدرتها على توحيد المجتمع الموريتاني وتحصينه، ونشر صيته العلمي والثقافي، والجميع يعرف تلك الأهمية.

وأنبه في هذا السياق إلى أن بلاد شنقيط (موريتانيا) عرفت نموذجا تعليميا فريدا من نوعه في العالم بأسره تأقلم مع الظروف البيئية والاقتصادية والاجتماعية وبذلك حقق غايات وأهدافا عصية على المنال، تمثلت في قيام جامعات الصحراء أي المحاظر…
وشكلت هذه المدارس مراكز إشعاع تخرج منها علماء أفذاذ ساهموا في تعليم ونشر شتى العلوم الدينية والأدبية وقد شاع صيت الكثير منهم في مختلف أصقاع العالم وبخاصة في البلاد المقدسة والشرق الأوسط.
كل ذلك دون أن ننسى المد الدعوى المحظري في إفريقيا جنوب الصحراء، ومقاومتها الشرسة للاستعمار الفرنسي.

لفتة إلى ظروف المحظرة

نشأت المحاظر في محيط يتميز بقساوة الطبيعة وبندرة المياه؛ مما اضطر سكان البلد إلى الترحال الدؤوب بحثا عن المرعى والكلأ، فكانت تتنقل من مكان إلى مكان، وكانت الكتب نادرة والحفاظ عليها مهمة صعبة.
أما فيما يخص الظروف الاقتصادية فكان الاقتصاد متواضعا جدا يعتمد أساسا على التنمية الحيوانية؛ لذلك كان شيخ المحظرة في الغالب مهتما بالنشاط التموي الرعوي، فيأخذ منه ذلك ومن تلامذته قسطا من الوقت لا يستهان به.
وكان المجتمع يعيش حياة بسيطة تقوم على القيم الإسلامية الأصيلة وعلى التضامن والتكافل الاجتماعي فكانت المحظرة مؤسسة اجتماعية تُحظى بمساندة ومؤازرة الجميع.
وعلى الصعيد التربوي كان نظام التعليم شبه مجانى يتوخى منه الشيخ الأجر والثواب فيما تعتمد طرق التدريس أساسا على التلقين والمذاكرة بصفة تمكن الدارسون بواسطتها من حفظ القرءان الكريم وكتب الفقه والسيرة النبوية والشعر، وغيرها.
ويمكن الاطلاع على الدراسات التي قيم بها في هذا الموضوع، لكن ينبغي الإشارة إلى أن هذه الطرق التعليمية تكاد تفتقر للتحليل والنقاش والتطبيقات العملية.

تأثير التطورات والتحولات الاجتماعية على المحظرة

طرأت تحولات كبرى على نمط حياة الموريتانيين سواء في البوادي أو في المدن، ولهذا السبب وبفعل غزو المجتمع الاستهلاكي نشأت حاجات جديدة يتوجب على المرء تلبيتها؛ مما اضطر أغلبية مشايخ المحاظر إلى البحث عن سبل جديدة للمؤونة، فأخذت المادة مكان الأجر والثواب، إلا من رحم ربك، وصار حتما على طلبة العلم الالتحاق بالنظام التربوي المصنف أو البحث مبكرا عن مهنة أوحرفة تعين على العيش الكريم.
وبدأ الدور البارز لهذه المحاظر يتقلص بعيد الاستقلال الوطني أمام الإقبال على النظام التربوي الحديث، وإثر موجات الجفاف، من بداية سبعينيات القرن العشرين الماضي، مما نتج عنه تغيير جذري في أنماط حياة الموريتانيين.

وخلاصة لما سبق، فإن المحافظة على التعليم المحظري الأصيل أمر تفرضه الهوية الدينية للمجتمع، ولا يمكن بحال من الأحول أن يتخلى مجتمعٌ واعٍ عن أساس كينونته الفكرية والعلمية، مع أنها حالة فريدة في الكون خرَّجت فيها البادية العالمة علماء قل نظيرهم في جميع أصقاع العالم.

بقلم الدكتور/ أحمدو ولد آكَّـاهْ


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى