آراء وتحليلات

عن تطور الغش في الامتحانات/ المرتضى محمد اشفاغه

زملائي الأساتذة..

يروى أن أحد الأئمة قال- لما شاعت سرقة النعال في المساجد- إن حفظ المال واجب، والصلاة في المسجد سنة، والواجب مقدم على السنة…
تذكرت هذا ونحن نعيش اليوم أزمة الامتحانات الوطنية، وما يصاحبها من مخاطر شبت عن الطوق، واتسع فتقها على الرتق..
في عالم الطغيان المادي، وانحطاط قيم المعرفة، تقزمت قامة المدرس،
فتحول عبر مسارات ثلاثة من باني شعوب، وصانع أجيال، إلى حارس مراهقين، ومراهقات، يتدفقون طيشا وعدوانية، إلى حاضن أمة فيها العفاريت، والأشرار، الذين لا تنفع فيهم تعويذة، ولا دجل..

الغش ظاهرة قديمة، لأن الإنسان مجبول على حب الاستحواذ على ما لا يملك، بما لا يملك، دق ذلك المطلوب، أو جل..
والغش في الامتحانات عادة أليفة، لكن المنكَر هو ظهوره من المؤتمَن الذي اختير لمحاربته، وحشد الجهود من أهل، ومعارف، وقبائل لتمريره سلوكا طبيعيا، وفعلا لا إثم فيه، وتوفير الحماية للغاش.. والأخطر هو مضايقة المؤتمَن الأمين، ولمزه، والاعتداء عليه…
مواسم الامتحانات اليوم باتت شبيهة بمواسم السياسة، وما يشيع فيها من فجور، وفتن، واقتتال، وترقب لانفجارات لا تعرف مآلاتها…
فلم يعد القائمون عليها، الملتزمون بأداء مسؤولياتهم بصدق، وأمانة، ما عادوا آمنين…الأستاذ المراقب اليوم بين مرين لا نجاة من أحدهما، إما أن يؤدي أمانته، ويحترم مهنته، ومسؤوليته، فيتعرض للاعتداء الذي يتجاوز اللفظ إلى الفعل، سيترصده الغاش في عصابة من أقرانه، أو أقاربه، ليلا، أو نهارا، ولا هم يحزنون، ولا هم يخافون، وإما أن ينجو بنفسه، فيترك الممتحَنين يفعلون ما يشاؤون، فيخون الأمانة، وفي ذلك من التباب ما لا يحد…

في وسط الثمانينات حاولت فتاة دهس مراقب اكتشف عندها إجابة جاهزة أحضرتها معها، فطردها، وقيل إن تلك المحاولة جعلت وزارة التهذيب تراجع بعض قوانين الرقابة، منها عدم طرد الغاش، والاكتفاء بتقرير عن وضعيته، يلصق بورقته، ثم يمنح صفرا في تلك المادة، وهو لا يعلم، حمايةً للمراقب من اعتداء محتمل..وسعيا إلى سير الامتحانات في ظروف هادئة..
اليوم تطورت الجريمة، فدخلت العصابة، والعصبية، وانتقل الخط من الترويع اللفظي، والوعيد، إلى العنف البدني، والفعل النافذ…
في ظل هذا الوضعية نعود إلى فتوى النعال: هل رقابة الامتحانات آكَدُ أم إقدام الأستاذ على مهمة أرخص متاع فيها دمه، وعرضه…
قمِن بالدولة اليوم أن تسند مهمة الرقابة مستقبلا إلى القوات المسلحة، وقوات الأمن المدججة بالسلاح، وإن تطلب الأمر الاستعانة بقوات إقليمية، وعالمية متخصصة في محاربة الشغب، والإرهاب، أو- وذلك أضعف الإيمان- إلى المصارعين الكبار، والملاكمين الماهرين في رصد مقاتل المشاغبين، والإجهاز عليها دون رحمة، ولا تسويف…
وعهدي بالأساتذة الذين أكلت الظروف أجسامهم، وأجهضت المآسي أحلامهم- من غبار الطباشير، وتقعر السبورات، وبؤس الوسط المدرسي، وامتلاء دورات المياه، وانعدامها أحيانا، وتدني الرواتب، وغلظة الدائنين، وسعة أبواب الصرف، ومنها الأسرة المتضخمة التي تشمل الأجداد، والأحفاد، والأصهار، وأصهار الأصهار، ومنها الصرف على النقل، والسكن، والمعاش، وإكرام الأسر الحاضنة في الأرياف، وتعطيل الترقيات، والحيف فيها، ومنها كثير لا يسعه المجال- عهدي بهؤلاء لا يملكون من البنيات الجسدية، والنيات السيئة، والارتياح النفسي، ما يسمح لهم بدخول حلبات المصارعة..
وحري بالأستاذ أن يدرك اليوم في عصر التيه هذا، أن كل اعتذارات أهل الأرض، إنسهم، وجنهم، لا تعيد له كرامة داس عليها الطائشون بإهانة، أو صفعة، أو اعتداء جسدي مركب…
_____
منقول من صفحة العميد الأستاذ المرتضى محمد اشفاغه


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى