الأدب الحساني

قراءة نقدية في طلعة/ يعقوب ولد اليدالي

*قراءة نقدية في طلعة*
*****
*أولاً: النص*

تِخْلِيتْ الِّ نَقْصَدْ
تِرْتَدْ افْكِلْ ابْلَدْ
وِاسْمَعْنَ ذَاكْ الرَّدْ
أُبِيهْ افْرَحْنَ وِحْنَ
وَاللهِ مَا يَعْرَفْ حَدْ
إِحْنَ شِمْفَرَّحْنَ

*ثانياً: الأديب*

صاحب النص هو الأديب الأريب ديدِ بن محمد باب بن سيد ميله، الذي يعدُّ من أبرز مثقفي الترارزة بمفهومها الواسع، وقد تلقى معارفه الموسوعية من والدته فاطمة منت سيد محمد بن الحسن الملقبة منت ديدِ رحمها الله، التي كانت من أنبل نساء المحصر وأرجحهن عقلاً بفضل معلوماتها التاريخية الثّرة ومعارفها الدينية والثقافية والاجتماعية الثرية، كما استقى تاريخ إمارة اترارزة وأيام العرب من عمتيه الضابطتين المؤرختين المقبولتين انْضَاتَ وامْبُوجَ رحمة الله عليهما. ورغم خوض ديد لغمار السياسة إلا أن تناقضاتها لم تؤثر على حسه الأدبي المرهف، فأصبح عيبة لشتيت التاريخ السياسي والاجتماعي لمنطقة الكبلة، وراوية لآداب أهل إكيد بهزلها وجدها وملحها ومحاظيرها.

*ثالثاً: البت*

الطلعة من لبتيت الناقص، الذي يتميز بخلوه من الحشو والزوائد وهو ما جعل معظم لمغنين ينأون عنه ويتجنبونه، لصعوبة تضمين المعاني في القوالب المحدودة.

*رابعاً: الغرض*

ينتمي النص لغرض شعري خاص بأدب الحسانية، وعادات وأعراف أرض الملثمين، التي يتضامن الأهل فيها مع المطلقة فيضربون لها الدفوف بعد انقضاء عدتها، ويتبارى الأدباء في التغزل بها، فيظهرون في ثوب المحب الوامق، ويعرضون بالحليل المفارق، ويبالغون في تخوف النساء من تداعيات ذلك الطلاق على أزواجهن أوخطابهنّ، كما قد يعرض خلاله ذوو الإربة بخطبتهم للمطلقة.

*خامساً: التعليق النقدي*

يشتمل أدب ديد بن سيد ميله على جميع خصوصيات أدب أهل إكيد مثل كِصْرْ الكَرَّ وسلاسة اللفظ ورقي المعنى، والابتعاد عن الإسفاف والسوقية، فيسري إلى أذن السامع بلطافة كبرد الخريف… النص متناغم مبنى ومعنى.. زين حتّ ومبدوع حتَّ وحامِ حتَّ وقد خلا من الحشو والتكلف والصنعة ويصنف في خانة السهل الممتنع.
اختيرت ألفاظ النص بعناية لتكون قوالب للمعاني، وصيغت بدراية لكي تضبط إيقاع وموسيقى النص، فالتزم الأديب الحاء والنون، كما وفق في الجناس غير التام بين “إحْنَ” و “إفْرَحْنَ”.
من ناحية أخرى، فقد أثارت فضولي مسحة الغموض التي أضفى الأديب الإيكيدي على خاتمة نصه، فالغموض صبغة يميز بها الناقد الأدب الرفيع عن غيره من ذي سوير، ولا شك أن غموض النص جعله حمّال أوجه فعبارة (وِاحْنَ مَا نَعْرَفْ شِمْفَرَّحْنَ) مشحونة بالمعاني المتناقضة، فقد جمعت بين الفرح والترح، والتمني والتأني، والجدية والتهكم، والأمل والقنوط، والخوف والرجاء، كما عكست ردة فعل الشاعر حول الحدث، فبدا متردداً غير واثق من قدرته على تحقيق هدفه، يقدم رجلاً ويؤخر أخرى. لقد جعل الغموض المقصود النص مفتوحاً على كل الاحتمالات، ولا شك أن تعدد الإشارات المتناقضة التي حملتها الخاتمة قد أثرت النص وزادت من جماله وجودته، فنجح الأديب ديد في إزاحة الغموض من النص إلى المتلقي فتكاثرت عليه المقاصد والمضامين والله أعلم بمراد الشاعر.

*يعقوب بن اليدالي*


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى