أعلام

محمدُ ولد مود بن لمرابط أحمد بن مود الجكني الشفاقي الشنقيطي.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ،، أما بعد:

أعضاء المجمو عة الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فهذه ترجمة للعالم الجليل:
شيخي أبو الفتاوى كما كناه العلامة عدود رحمه الله.

علم الأعلام وشمس كشفت الظلام فتبدد وأظهر نور دين الله للأنام وسنة النبي الأواه عليه الصلاة والسلام:

القاضي علما:

محمدُ ولد مود بن لمرابط أحمد بن مود الجكني الشفاقي الشنقيطي.

ولادته:

ولد شيخنا بولاية تكانت في حدود ١٣٤٩ هجرية، نشأ في كنف والده صاحب المحظرة العريقه المعروف شيخها بشيخ الجكنيين في معرفة مختصر العلامة خليل:

وقد درس فيها العلامة محمد الأمين الشنقيطي صاحب تفسير أضواء البيان كما هو مدون في مقدمته.
وهذه المحظرة بمنطقة إركيبه والتي تخرج منها جم غفير من العلماء والصلحاء وطلاب العلم.

فقد كان والده رحمه الله بحر علم زاخر يؤمه الناس طلبا للعلم،
فكان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر،
وكان إذا سمع لهوا في مكان أخذ عصاه وذهب لهم فيقول له أقرانه شيخنا كيف استطعت تزجر هذا الرجل العملاق الذي وقفت امامه قال لما أهاب أحد من أمثاله أقراء عليه سورة الفيل فيكون ذبابة أمامي.
وكان رحمه الله يحب الخير للناس جميعا و”تقضى على يده للناس حاجات”.

في هذا المحيط المتميز نشأ شيخنا العلامة محمدُ بن مود وقد كان قد تصدر على والده وكان أكثر تحصيله منه سماعا لكثرة من يقرأ في محظرته وكان رحمه الله لشدة ذكائه يحفظ ذلك من مجرد السماع فقط حتى تحصل على كثير من علوم المعرفة وبرز ونبغ في أول أوان شبابه فقط حفظا وسماعا من طلاب والده لكثرتهم
وقد حفظ القرآن الكريم ودرس العقائد، والققه والقواعد، وقرأ مبادئ علم النحو كالآجرومية وملحة الإعراب ولما حصّل مبادئ العلوم الشرعية واللغوية
تنقل من محظرة والده ليدرس على مشائخ فضلاء عدة.

شيوخه:

درس على تلميذ “اباه”: يحظيه عبد الودود:
أحمد الأمين أبي الدين رحمه الله.
كما درس على شيخ المشائخ العلامة الحافظ نادرة الزمان: محمد يحيى بن آدو، والعلامةُ الهمام المجلي: شيخنا محمد عبد الله بن الإمام، وأخذ بعض معارفه عن زميله اللغوي اللوذعي الشريف: أحمد محمود ولد ابات النزاري،
وكذلك أخذ عن الشاعر المفلق:
سيد ألمين بن بابه الإبراهيمي،
والعلامة الفاصل: محمد علي بن العلامة سيدي المختار بن عبد المالك.

تصدُره للتدريس والإفتاء:

وبعد أن تضلع من العلوم واعترف له العلماء بعلو الكعب واتساع المعارف وجودة الفهم،
بدأ في رحلة التدريس والإفتاء فلم يستقر في موضع معين بل كان يرتحل داخل بلاده،
حتى عين قاضيا في حدود سنة ١٣٨٩ هجرية
ولما ولي القضاء هنأه أحبته فقال:

يهنئني الأحبة بالقضاء
دواما بالصباح وبالمساء
ولو عرف الأحبة ما أعاني
خشاة الميل أو درك الخطاء
لعزّاني الصديق بكل يوم
فقال هب القضاء من القضاء.

سيرته:

كانت سيرته جميله واخلاقه حميدة
في القضاء وغيره
وقد عمل في عدة ولايات من وطنه ثم رغب في السفر للحج.

رحلته إلى الحجاز

وبعد جولات له في إفريقيا ارتحل إلى الحجاز لطلب فريضة الحج والعمرة، حيث كان ذلك عن طريق استقدامه من طرف الجامعة الإسلامية رحمه الله كأستاذ زائر لها فمكث فيها فترة أحيل فيها إليه تدريس علم التفسير.
وبعد مقامه في ذلك برهة من الزمن رحل من السعوية عاد إلى موريتانيا.

وفي أثناء مكثه في بلده سمع حينها بقدوم بزيارة وفد من دولة قطر قسم إدارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وذلك بغرض عقود عمل مع بعض علماء وقضاة وذلك في سنة ١٩٨٦م فشارك رحمه الله تعالى في الامتحان الذي شارك فيه مائة عالم من مختلف أنحاء بلاد الجمهورية الإسلامية الموريتانية وفي أثنائه خرج من القاعة في أول الوقت فلاحظ عليه المراقبون سرعة ذلك فقالو له “إياك الخير” فقال لهم: “أوفيت” أي أنهيت الإجابة على أسئلة الإمتحان.
ثم بعد ظهور النتائج جاء شيخي الأول على المتسابقين
بلا منازع ولا منافس.

الرحلة إلى قطر:

فسافر هو والأربعة الأوائل إلى العاصمة الدوحة.
ومن هؤلاء :
شيخي؛ محمد محمود بن المختار بن اعمر عمو البوصادي الأنصاري.
وشيخي المختار بن عبدو التاكاطي الطالب إبراهيمي
وشيخي عبد الله بن محمد محمود بن اشحمد الحسني الأعمر اكداشي.
وخامسهم الشيخ العافية وهذا الأخير.
قد توفي في قطر بعد سنة من قدومه ولم أقابله رحم الله،

وقد كان تأثير هؤلاء الأعلام في قطر كتأثير الملح في الطعام سبحان الله مع قلتهم فقد تخرج على أيديهم
طلابا للعلم وأفاضل من علماء وقضاة وغير ذلك،
فجزاهم الله عنا جميعا كل خير
ورحم الله السلف منهم وبارك في الخلف آمين .

وعلى ذكري شيخي المترجم له فقد عرفت أول شنقطي في الدنيا من أهل العلم آلا وهو أخ شيخي أبو الفتاوى وشقيقه وتلميذه:
شيخي الحافظ المقرئ العلامة:
محمد سالم ولد مود شفاه الله وعافاه من كل سوء ومكروه آمين.
وعن طريقه بفضل الله وحفظه طلبت العلم وتعرفت على الجميع بحمد وعونه ومنه.

وقد استقر شيخي أبو الفتاوى في دولة قطر سنوات عديدة إماما ومتعاونا مع المحاكم الشرعية وحظي في قطر بعناية كبيرة من لدن أعيان البلد من أمثال رئيس المحاكم الشرعية الشيخ العلامة القاضي: أحمد بن حجر آل بوطامي البنعلي، ونائبه السابق الشيخ والمحامي عبد العزيز لخليفي، والشيخ الدكتور عبد الحكيم الخليفي وكان يداوم على زيارته أسبوعيا العلامة والقائم بالأعمال بالسفارة الموريتانية والوزير السابق للعدل بموريتانيا الشيخ محفوظ ولد لمرابط الناصري رحمه الله.

وقد كان منزله في قطر قبلة لطلاب العلم من مختلف الجنسيات:
قطر وموريتانيا ومصر
من أمثال:
المقرئ فرج عبد العال
وسمير: المصريان ،
وكذلك من موريتانيا صهره وتلميذه محمد عمر ولد خطري الجكني،
وكثير من الأئمة والخطباء نسيت أكثرهم فاليسامحوني جميعا على ذلك.

مؤلفاته:

كان رحمه الله كثير البحث والقراءة والنظر في الكتب طيلة يومه والانشغال بالتأليف وقد وقع لي معه موقف عرفني به شيخي قيمة وأهمية العمر والزمن والوقت، فقد كان في قطر معرضا للكتاب فاشتريت منه بعض من الكتب لي ولشيخي ما يقارب إحدى عشر كتابا 11 تقريبا
ثم سافرت لمدة شهرين إلى الحجاز للعمرة ولزيارة شيوخي الآخرين هناك، وعندما عدت وجدت شيخي جالسا بجوار المكتبة منهمكا فيها فقلت في نفسي مسكين الشيخ بقي وحده يطالع وقد استوحش وحده في خلوته،
ثم قمت أتصفح تلك الكتب التي أهديتها له فوجدته نظرها وعلق عليها كلها وكأنه يقول لي بلسان حاله إذهب لمن تعبث معه وتهدر فراغ أوقات عمرك معهم ولست أنا
فأثر في تأثيرا شديدا فمكثت معه أطلب عليه العلم.
وعندما عاد لموريتانيا بسبب أحوال صحية لم يستطع معها الإقامة في قطر زرته مرتين وقام بتعليمي والنصح لي بكل أريحية وحب فما رأيت عيني مثله رحمه الله تعالى:
حلف الزمان ليأتيان بمثله
حنثت يمينك يا زمان فكفر

وقد ألف رحمه الله العديد من الكتب وبت في كثير من النوازل ونظم كثيرا من الفنون في شتى المجالات ولم نعثر إلا على النزر منها أكثرها بقيت في أماكن سكناه وتنقله في مختلف أماكن كان يعمل فيها ويقطنها ثم يرحل عنها.

فهو عالم فاخر وبحر زاخر نذكر منها:

نظم في غريب القرآن

تنبيه النبها على حرمة قراءة الهمزة بالها

قصيدة في حكم الهاء

نظم نخبة الفكَر

ألفية في تاريخ الدولتين الأموية والعباسية

نظم في السيرة النبوية في حدود ٥٠٠ بيت.

نظم طويل في السيرة النبوية.

نظم مختصر في السيرة النبوية.

شرح نظم الشيخ محمد العاقب بن ما يابي في أحكام الشرف.

شرح نظم الآجرومية

شرح نظم عبد العزيز بن صالح الأحسائي في الفقه المالكي.

واضح البرهان والدليل، أن الذبيح إسماعيل.

فصل النزاع في أن مكة أشرف البقاع.

إيضاح المشكل من نظم جهد المقل

مطلع البدرين في الذب عن جناب ذي النورين.

هذا وقد أكرمني المولى بزيارته مرارا، وقرأت عليه تكرارا، فتعلمتُ منه الدارجة الحسانية، وقرأت عليه آيات الأحكام لصديق خان، وأجازني فيه وأقفاف من مختصر خليل، وأبواب من مراقي السعود وأشرفت على طبعة كتابين له، أولهما:
واضح البرهان والدليل، بأن الذبيح إسماعيل،
وثانيهما فصل النزاع بأن مكة خير البقاع.

كما تأثرت بقوته في التأليف والشرح والتعليق فهو مما دعاني إلى عمل الكتابة والتحقيق وطباعة الكتب بعد توفيق الله لي ومنه وفضله سبحانه
كما قد حققتُ معه رحمه الله كتابه في الخلع المسمى الرشاش المقطر،
ثم طبع بعنوان:
( القول الجامع )
في باب الخلع
وبعد أن ستقر رحمه في قطر برهة من الزمن ثم عاد إلى موريتانيا، أرض سكناه وموطنه،

تاقت نفسه إلى زيارة الحرمين الشريفين والمجاورة فيهما فنزل مكة المكرمة في حارة الهنداوية مجاورا للبيت المعظم واستأنف أنشطته العلمية فكان يزوه العلماء والشيوخ والطلاب،
منهم أبناء الشيخ الأمين صاحب أضواء البيان، الشيخ مختار رحمه الله، رئيس قسم الأصول،
والشيخ عبد الله حفظه الله، رئيس قسم التفسير،
والدكتور محمد يعقوب رئيس قسم الفرائض في الجامعة الإسلامية،
والدكتور محمد ولد سيدي الحبيب الجكني جامعة أم القرى قسم الإعلام محقق كتاب الشيخ الأمين نثر الورود على مراقي السعود
والشيخ ابن عمه
عبد العزيز الجكني، بمكة أيضا والذي كان يزوره أكثر أوقاته وينقل عنه الأشعار والآداب ويصحح عليه كتاب (شعراء تجكانت).

فكنت أتردد عليه رحمه الله الفينة بعد الفينة من قطر بمكة وكلما زرت الحجاز، وقد أخبرته بأنني حققت كتابي المنهج والتكميل بشرح العلامة السجلماسي، واستنبطت منهما المسائل والكتب.

فكان يكلمني في أثناء مرضه بصوت منخفض ويدني مسامعي منه ويهتف إلي صوت منخفض ويقول:
انت عدت ابحر،
انت عدت ابحر .
فقلت له يا شيخي إن هذه الكلمات الجميلة المشجعه لهي أحب إلي من شهادات الدنيا كلها لما أعرف من مكانته في العلم.

ثم ما لبث أن توفاه الله تعالى وسبحان الله القلب مشغول فيه ومتعلق به مع البعد:

لئن كانت الأجسام منا تباعدت

لأجل قضاء ما لنا عنه من بد

فما ضرنا نأي الجسوم وقد دنت

قلوب طويناها على خالص الود

ومن كرم المولى علي فقد من بفضله وتوفيقه تلك الساعة أني كنت في الحرم المكي وقد صليتُ فيه الفريضة ثم الصلاة على الأموات،
فقابلني أحد الأصدقاء من أشراف الشناقطة الأدارسة فقال أتدري يا شيخ صليت على من قلت لا قال صليت على شيخك محمدُ وأنت لا تعلم.

قلت؛ ولله الحمد فقد وفقه وأعطاه كرامة عظيمه وهي التي كان يتمناها آلا وهي أن يدفن بمقبرة المعلاة بجوار أمنا خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها.

فكان هذا هو آخر مثواه فجعل الفردوس الأعلى مأواه ومنتهاه آمين.

كتبته على عجل، وبحزن شديد وألم، وخوف و وجل،

وأعتذر لكل من نسيته فلم أذكره، ولم أمدحه ولم أطريه نسيانا مني وتقصير..

وكانت وفاته رحمه الله تعالى في تاريخ: 1430هـ.

بارك الله في ذريته وعقبه أجمعين آمين.

وما كان قيس هلكه هلك واحد

ولكنه بنيان قوم تهدما

الرحمة والغفران وجنة الرضوان لشيخنا آمين،

رحم الله السلف وبارك في الخلف أجمعين آمين.

كتبه تلميذه المقصر المقر له بالفضل طويلب العلم:
جمعه بن عبد الله الكعبي _ الدعاء _


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى