البادية في باريس!/ البشير بن أحمد مسكه بن حبيب
علمت عشية أول أمس بنقاش الدكتور محمد سالم بن عبد الرحمن بن مولود لرسالة دكتوراه اعتنى فيها بترجمة كتاب البادية الذي يعرف بعنوانين آخرين ملفتين: صوف الكلاب، والتلميات.
و”لما” كانت خدمة تراث الشيخ محمد المام خاصة غاية شريفة لا يدركها إلا ذو حظ عظيم،
كان الاختيار هذه المرة لكتاب أصيل جليل القدر ظل إلى يوم الناس هذا محل تأمل من قبل الأصوليين والفروعيين معا، فضلا عن المؤرخين وعلماء الاجتماع والإنسان.
ولما كان كتاب البادية هو الاختيار، كان هذه المرة بلغة أوروبية: الفرنسية.
فلكم إذًا أن تتصوروا الجهد البطولي لعكس أضواء كل ما ألمحت إليه سلفا من فنون شتى عويصة في بعض الأحيان نظرا لاصطلاحاتها، وعذراء أحيانا أخرى لا لعدم وجود مقابل لها في الثقافة الغربية فقط – لأنه أمر وارد أصلا – بل لكون بعض الحقول الفكرية المعنية لم تستثمر من ذي قبل باللغة التي تُرجم إليها الكتاب. أو لندرة ذلك الاستثمار على الأقل. لا تنسوا أن صعوبة المهمة هي تحقيق انعكاس تام دقيق لا انكسار فيه.
ولما كان المتصدر لهذه المهمة الجليلة من طراز الأستاذ محمد سالم الذي عرفته مُصمّمًا على هذا المشروع لفترة معتبرة (سنوات عدة)، فإن المظنون بها التحقق على مستوى رفيع. وقد دل على ذلك تسليمُ الأساتذة المناقشين لها بالامتياز.
تجدر الإشارة إلى تسليم سابق صدر عن أحمد باب بن أحمد مسكه رحمه الله تعالى، منذ أعوام عند بداية المشروع! حينما أعلمه د.محمد سالم أنه بصدد ترجمة كتاب البادية إلى الفرنسية، فقال له أحمد باب: C’est un gros morceau ! بمعنى أن تحقيق هذه الفكرة مرتقى صعب وإنجاز معتبر.
ولمّا كنت لمّا أطّلعْ على رسالة الدكتور، فإني أقتصر على الختم بملاحظة لطيفة رأيت الدكتور أشار إليها في عرضه الذي قدمه لهيئة الإشراف:
يُنبه د. محمد سالم على كون رحلة الشيخ محمد المام كانت إلى الجنوب بدل الشمال أو المشرق!
ملاحظةٌ لم أقف عليها بقلم مغاير.
لماذا لفتني هذا التنبيه؟
ببساطة، كنت نبهت عليه (وقد اقتصرت على المشرق فقط) في كتاب أعِدّه عن الشيخ سيدي أحمد بن اسمه الديماني الذي خصصت فيه فصلا للحديث عن رابطته بالشيخ محمد المام.
وقد اقتضى السياق أن أقول إن الشيخ سيدي أحمد كان أيضا مثل الشيخ محمد المام في تلك الميزة ذاتها.
بل إن المستوسع يزيدهما بشخصيات أخرى أمثال:
أحمد بن العاقل الديماني وأحمدُّ بن احبيّبْ اليدمسي.
هي إذًا نافذة بحث جديدة لمن يهمه الأمر.
والطريف في هذه اللطيفة أني ألتقي كثيرا بالسيد محمد سالم ويأخذ الشيخ محمد المام رحمه الله تعالى نصيبَ الأسد من أحاديثنا، لكن أيًّا منا لم يستفد من الآخر هذه المسألة، بل إن الخاطر وقع على الخاطر !
بالتأكيد، ليست هذه الرسالة “أولى بركات” الدكتور في التعريف بمعارف الحضارة الشنقيطية: فكتابه عن المحاظر حائز على جائزة شنقيط…
شكرا جزيلا للأستاذ محمد سالم بن مولود.
ومزيدا من الإصدارات والتقدير. ورحم الله السلف وبارك في الخلف، والحمد لله تعالى الذي بنعمته وجلاله تتم الصالحات.
وصلِّ ما دام لك البقاء 🌟 على من الحمد له لواء
وآله وصحبه الأعلام 🌟 ما دَبّت النجوم في الظلام.
نكتة حرفية:
اشتهر أحمد باب بن أحمد مسكه بين بعض الأوساط ب: ABM، وهو اختصار لاسمه ببداياته. ومثله كثير في أعلام آخرين.
وإذا طبقنا على اسم الدكتور شيئا من هذا النحت فإنا نجده: MAM، فهل نحن من جديد أمام مامٍ آخر ؟!