الأدب الحساني

رمزية ابليس في الثقافة الحسانية

 

تُجمع الأديان السماوية علي اختلافها ، على الصورة السلبية للشيطان ، حيث يرمز للشر والحسد والضغينة لبني البشر .

الا ان صورة الشيطان في الادب ، سواء العربي منه او الغربي مختلفة ، حيث يعتبر الشيطان ملهما للشعراء ،فلكل شاعر شيطانه الخاص الذي يلهمه ويوحي إليه شعره.
و هو ما كان يسمى “بالتابع” في العصر الجاهلي

و عندما جاء الاسلام ، تغيرت نظرة الشعراء للشيطان فأصبح مصدرا للشر ، تجب الاستعاذة منه والابتعاد عن مكامن نفثه وعُقده .

لكن الشاعر الموريتاني نظرَ للشيطان نظرة مغايرة تماما، حيث تحول من عدو تجب محاربته مع الثلاثي المحذّر منه : النفس والدنيا والهوى ، الي خليل وصفي وسفير ورسول ، يتولي مهمة الوصل بين العشاق ,وبين الحبيب ومحبوبه ،ورفيق لا غنى عنه في الامور العاطفية والغرامية.

وتتكرر تلك المفاهيم والمسميات فى الأحاديث ومجالس السمر الخاصة المتسمة بالرومانسية والموغلة أحيانا في الرمزية لدى الموريتانيين ،فتراهم تارة يطلقون عليه إبليس وتارة الشيطان وأحيانا “انكَـرادو” لدى البعض ، وكلها أسماء لمسمى واحد يرمز للجاذبية التي يشعر بها طرف تجاه الطرف الآخر ، والتي تزداد كلما ازدادت نسبة الشيطان في المحبوب.

لقد ظل ابليس ـ كرمز للحب ـ حاضرا في الادب الموريتاني الفصيح منه والعامي ، كما ظل ملهما للشعراء يتصيد أمزجتهم فيجمعها في بركة من الغرام تفيض دفئا وحرارة، فيلقي فيها شيطان كل شاعر على لسانه بأرق الالفاظ وأعذب الكلمات ،حيث ينسج منها خيوط حرير من الشعر : غزلا أو يتذكر بها طللا أو ينشد بها غناء تستعذبه النفوس وتستلذه الآذان وتطرب له الأنفس وتدمع منه العينان.

ومنه ما يعيد إليك ذكر الأحبة ومجالسهم والحديث معهم في جو تملؤه البساطة والبراءة والعفوية ليجعله ذلك في مواجهة مع العشق و الوله ، بعيدا عن الحبيب وأنسه ، يتلمس سبل الوصل الشحيحة ، طمعا في من يبلِّغ عنه للحبيب سلاما او يزوده بخبر يسَر به ، أو يعينه علي مكابدة آلام الفراق والبعد وجور الأيام وسهَر الليالي.

ومن خلال المعاناة والاحساس بألم البعد ،يجعل الشاعر من ابليس الصديق الوفي والصفي المخلص والشفيق الذي سيقف معه في محنته و يؤنسه في وحشته ويشاركه كل معاناته ، بل يراه أهلا لمشاركته والتخفيف عنه ، لذلك تراه يتقرب منه وينزله منزلة الأنيس والجليس.

وهذا أحد الشعراء يعبر عن ذلك صراحة حيث يقول :
افعصرايَ ما ننساها *ريت ابليس افتح لي بابو
افْزينابو لا الــــهَ * الا الله يَزينـــــــــــــــــابو
ويقول شاعر آخر:
راصك يغْلَ غيدات النيل *ماجَ من عند الراص اطويل
و اكلامك خاسر واكَـلييل * والتوتِ تحصيل الحاصل
غيرْ ألا يسبّتْ لكتيل* يكَطعْ بابليس أثرو فاصل
فمنادم راصو ماهْ اطويل * وأكلامو ماهُ متفاصل..
وفي ذات الاتجاه يقول أديب آخر :
نبغى عت ءلانى مقيس * نجبر ذَ ركاج الدحميس
فبلدْ فيهْ اللاَّن وابليس * واتلانَ وابليس انروغوه
وان وبليس ابلا تدليس * هو يعرف عن نبــغوه
وقد يكون الشاعر متلبسا بلحظة انفعالية ما ،فيعبر عنها بابليس مثل :
كَبيل الدحميس بنتِ * وابلكَـ ذاك ابليس
يحرك بي ابليس وانت * واكْبيل الدحميس
وهذا آخر يعتبر الشيطان ملازم للمحبوب في كل وقت فيقول :
كَط أكرظلى يالمــولع بيك * فيك اللعين ألنَّــــــوبة ذيك
وأكرظليِ دار المــوجْ أعليك * بالمـــاره دار المــــــلاهى
وأكرظلي نوبت فصْكْ أعليك * فيكْ ءعنهَ مانى ساهى
وأكرظــلي فيك أيـــام أمجيك * يغْلَ لريـــــــــام الْ دلاهــــى
ءمـزال ألا يكــرظــــــلي فيك * عليــــــــهِ لعنــــــــةُ اللـــهِ

ولعل من أطرف ما قاله الشعراء في موضوع إبليس كَـافْ اسغيّر التالي :
إبليس الِّ كان غاوى * وامعدَّلْ لبريحْ
تابْ إبانْ ءُعاد لاوي * فزنيدُو تسبيحْ

 

ولإبليس عند الموريتانيين شأن عظيم , فهو ضرورة لا غنى عنها ,خاصة بالنسبة للمرأة , حيث يُعزى لأحد علمائنا الاجلاء المشهود لهم بالورع والعلم أنه قال مازحا ذات يوم لإحدى العجائز من صديقاته حين عرضت عليه الزواج من سيدة عفيفة ومدحتها له قائلة : “ما كَـط حد شاف راجل أجنبي داخل خيمتهم” فقال لها : “اتفو ذاك معناها عن ذَ المخزي أثرو زاد هو أجنبي اعليها كيفت الرجال.

 

من صفحة zahra nerjes


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى