ثقافة

من روائع الحكايات والأساطير الموريتانية(24) / د. محمدو احظانا

أم الروايات
رواية “مشوش” عمر آبيلي

قال الراوي لحلقته المتلهفة لسماع روايته الجديدة:
حاجيتكم ما جئتكم:
” يامن ظهره ظهر زناد، ويامن بطنه خربيشه؛ ياحاذق ابن الحذاق، تعال وأعرف لي ذي الهيشة”؟
فضربت الحلقة رؤوسها لتتذكر الأحجية أو تكتشفها دون طائل، حتى تكلم عجوز في طرف المجلس، لا يعرف أحد أين يوجد فمه لصبره على الصمت والإنصات:
-أليست “التيدنيت”؟
فصاح به الراوي: بخ لأمك.
وضجت الحلقة استحسانا للإجابة.

(الجزء الأول)

الفصل الأول

قال لكم ماقال لكم:
إن فتى من إدوعيش* سمته أمه عمر آبيلي، كان نابغة زمانه في محلة الأمير الإعيشي بكار ولد أعمر ولد محمد بن خونا، فأتقن حفظ القرآن طفلا، وأتقن الأحكام الشرعية والفروسية مراهقا، ثم أتقن فن “التيدنيت” على الفنانين حتى صار أمهر منهم في العزف، وناظر شعراء الحسانية حتى فاقهم في إبداعه. وسمع سير الناس والأمراء وأخبارهم وبطولاتهم، وأسرارهم، وما يغضبهم وما يرضيهم، حتى حفظها.
ولما أصبح شابا شاع ذكره حتى صار مضرب مثل في الفتوة بين رجال الإمارة كلهم.

****
أصبح عمر آبيلي من رجال بلاط الأمير، و أثيرأ لديه، يرسله في المهمات الصعبة، ويرافقه في حملاته الحربية ووفاداته السلمية، ويشير عليه بالآراء الصائبة، ويخرج متخفيا يتحسس له أخبار الإمارات المجاورة في السلم والحرب..
وكان الأمراء يسمون من يقوم بهذه المهام “طلاقا” وهو بمثابة العميل.
وفي الأثناء نهض الأمير في حملة على أولاد امبارك المغافرة في الحوض.
وكان سلطانهم حينها اعلي ولد أعمر ولد هنون ولد بهدل ولد محمد الزناكي.

****
اشتبك الجيشان في معركة حامية الوطيس، وقد انتصر فيها أولاد امبارك بسبب مناوراتهم على خيلهم العتاق السريعة، وسروجهم العالية. وكانت فرس السلطان التي تدعى “المجزوزة” قد أذهلت إدوعيش بجمالها وجسارتها وحسن أدائها وسرعتها، فقرر الأمير بكار ولد أعمر أن يغنمها بالحيلة والمكيدة، وكلف عميله عمر آبيلي بمهمة اختطافها سرا، لما عاد إلى محلته، فأعطاه مهلة سنة لإنجاز ذلك المستحيل، وزوده بالمال الكافي، والثياب المناسبة، ومنحه حرية التصرف في طريقة جلب “المجزوزة”، ووعده أن يعطيه مائة من كل موجود، من مال الدم والمتاع والحلي.. إن نجح.

الفصل الثاني

أخذ عمر آبيلي سفرية جلد، وأوعب فيها ما يكفيه من زاد في الطريق، ومصحفا وكتبا قليلة انتقاها، ولبس لباس معلمي الصبيان، وأخذ حمارا طروبا، وشد عليه إكافا، وركبه.

****
كان خروج عمر آبيلي من محلة الأمير ليلا بعد أن سكنت الرجل البشرية، ونام أغلب الدواب.. حتى لا يراه أحد من عيون إمارة أولاد امبارك في المحلة فيشي به.

****
سار عمر آبيلي أيامه ولياليه، وهو يدعي لكل من لقيه أنه يسمى “طويلبنا”، وأنه معلم قرآن وفقه، وأنه أحد الزوايا ويبحث عن حي يقرئ له أبناءه.
فإذا عرض عليه أحد من حل بهم أن يقرئ له صبيانه رفع عليه أجرته حتى تركه عنه. إلى أن دخل محلة سلطان أولاد امبارك فحط عصا الترحال.

………….
*- أدوعيش إمارة أصيلة من بقايا الدولة المرابطية. تأسست في تكانت وجوارها. وازدهرت ابتداء من القرن الثامن عشر الميلادي. وأمراؤها ينتمون إلى محمد بن خونا. كانت إمارة استمرت قوية حتى استشهاد أميرها بكار ولد اسويد أحمد، ولد امحمد بن محمد شين، بن بكار، بن أعمر، بن محمد خونا، على يد الضابط الاستعماري الفرنسي افرير جاه، سنة 1905م.
– إمارة أولاد امبارك وتدعى سلطنة. إمارة مغفرية تنتمي إلى عثمان بن مغفر بن أحمد (اودي) بن حسان.
تأسست بالحوض ولعصابة وباغنة، سنة 1712م. وزالت بعد 150 سنة تقريبا حيث انتهت بالحوض على أيدي إمارة أهل لمحيميد المشظوفية سنة 1862م.
ازدهرت فيها فنون الموسيقى والشعر الحساني. وعاشت ثلاث مراحل كسائر الإمارات الموريتانية (التأسيس- الاستقرار والرخاء- ثم التناحر والحروب الداخلية والخارجية).

(الجزء الثاني ليلة غد).

م. أحظانا


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى