
التوجيهُ في الأنظام/ عز الدين بن ڭرَّاي بن أحمد يورَ
التوجيهُ هو أحد المُحسنات المعنوية الجميلة في فن البلاغة، وهو قريبٌ من التورية، والتوجيهُ أن يكون للكلمة معنيان، فيستعمل المتكلمُ أحدَهما، ويهمل الآخر، ومرادُه ما أهمله لا ما استعمله …
وقد استخدمه بعض الشعراء الموريتانيين في أراجيزهم العلمية، بحيث جمعوا للمتلقي بين الفائدة والنكتة المعنوية المتأتية من هذا الأسلوب البلاغي اللطيف …
مما وصلنا من ذلك أبيات للمرابط امحمد بن أحمد يورَ في ضبط بعض الكلمات، يقول في أحدها :
إنَّ كَداءً والحَجونَ انفتَحا
لمَّا أتاهما نبيُنا ضُحَى
فالمُتبادرُ مِن البيت أنه يُشير إلى فتح مكة بذكره لموضعين منها هما “كداء” و”الحجون”، وهو في الحقيقة يرمي إلى أن الحرفَ الأول من كلتا الكلمتين حركته الفتح …
ويشير في البيت المُوالي إلى أن الصحيح هو فتح الخاء الأولى من كلمة “خَوخة” وهي بمعنى الباب أو نحوه، والذي ينصرف إليه ذهن المُتلقي أن الشاعر ينظم بعض ما ورد في الحديث الشهير الذي جاء فيه “لا يَبْقَيَنَّ في المَسْجِدِ خَوْخَةٌ إلَّا خَوْخَةُ أبِي بَكْرٍ” :
وخَوخةُ الصدِّيقِ طه قد أمَرْ
بِفتحِها، والفتحُ في الخَوخِ اسْتَمَرْ
وإنما يعني امحمد فصاحة فتح الشين من كلمة “الشن” عند قوله في توجيه ظريف :
والشَّنُّ إن فتحْتَ فاهُ تشْرَبِ
صفوَ الزُّلالِ مِن كلامِ العرَبِ
وإن فتحتها أو إن ضمَمْتَا
لمْ تُلفِ منها ما به همَمَْتَا
واستخدمَ فرعاً من فروع الزكاة، وهو ضم الشعير للزكاة فيها، في توجيهٍ أرادَ به ضبط كلمة “صُبرة”، وهي مضمومة الصاد، وتعني الكُومة من الطعام :
وصُبرة الشعير للقمحِ تُضَمْ
كما روى كُلُّ خِضَمٍّ عَن خِضَمْ
يُروى أن امحمد رأى مرة العلامة أحمد (ابُّوهْ علماً) بن اجَّمدْ يُزاول ببراعة بعض الأعمال اليدوية فقال له امحمد : “ابوهْ، هذا فتح !” فأجابه “ابوهْ” بما معناه “إنما الفتح : ((وصبرةُ الشعير للقمح تُضَمْ … ))
ومِما يُنسَب له في التوجيه أيضا قوله في ضبط الكاف من كلمة “كَوة” :
إن تُفتح الكَوَّةُ جاء النُّورُ
واللُّسْنُ عن غيرِ الفصيحِ نُورُ
ورُبما قد ضُمَّ منها الكافُ
والسَّرجُ لا يُشبِهُهُ الإكافُ
ومِن أعلام التوجيه في نظم الفوائد اللغوية، العلامة النظامة المُجيد أحمد (ابُّوهْ علماً) بن اجَّمدْ، من ذاك قوله في حركة حرف الهاء من مضارع فعل “هبَّ” ذي المعاني المختلفة :
كسرُ يهِب السيفُ يهتزُ ألَمْ
والعينُ في الريحِ وفي النومِ تُضَمْ
و”ابوهْ” هو الذي يقول غيرَ بعيد عن هذا في الكلام على شكل مضارع فعل “حلَّ” حسب معانيه:
البيتُ حلَّ به، وحلَّ عقدتَه
بالضم آتِهما واكسرْ خلافَ حرُمْ
وحلَّ دينٌ. وفي حلَّ العذابُ به
وجهان قد رُوِيا عن من مضى وقدُمْ
منْ لمْ تُزلْ جذوة “المصباحِ” ظلمتَه
تطلْ جهالتُه ضبطَ اللُّغى وتدُمْ
ويصل التوجيهه منتهى الطرافة حين يقول أحد الأدباء في رسم حرف التاء من كلمة “امرأة” في القرآن :
وكلُّ مَرْأَةٍ تَمُدُّ رِجْلَها
إلا التي خافت نشوزاً بعلَها
وامرأةٌ مؤمنةٌ قد وهبتْ
إلى النبيِّ نفسها كما ثبتْ
.
وفضلاً عما يتبادرُ هنا، يريد هذا الأديبُ القولَ أن كلمة “امرأة” في القرآن ترسم بالتاء المبسوطة إلا في حالات منها قوله تعالى :((وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا ..))، وقوله :” ((وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ … )).
ومن جميل التوجيه غاية، وبالتحديد في ضبط بعض الكلمات قول علامة العصر الشيخ محمد الحسن “حشَّنْ” بن أحمدُّو الخديم :
مَن فتح الجَراب والخَزانهْ
فذلك الفتحُ تعدٍّ شانهْ
وكاسرٌ لِقَصعةٍ أو جَرّهْ
فالكسرُ قد جرّ به معرّهْ
ومن الطرائف في مجال ضبط الكلمات عموماً، يُروى أن لمرابط ببها قال في شأن كلمة “البطالة” :
وللبطالة اذكرن الفتحا
والضم والكسر والأولى الفتحا
فقال امحمد بن أحمديورَ :
وإنما هذي اللغات في التي
عندهمُ علي الفراغ دلتِ
فقال أبُّوه بن اجمد:
أما التي تكون للشُّجْعانِ
ففتحها والكسر ذائعانِ
فقال شقيقه العلامة المُحقق “زينْ” بن اجمد، في اختصار بديع :
بطالةَ الفراغ ثلِّثْ واكسِرِ
وافتَحْ إذاشِئتَ بَطالةَ الجَرِي
طاب مساؤكم
عز الدين بن ڭرَّاي بن أحمد يورَ