
ظرافات وظرفاء (54) / الأستاذ: محمدو سالم ولد جدو
في خريف عام 1990 أمضينا فترة بحيث انتهى البرق الساري من بطن تيرس إلى ابن الطلبه رحمه الله، ضمن أقوام جاؤوا – عبر العاصمة أساسا- من شتى أرجاء البلاد، لا يجمع بينهم إلا السعي إلى اللبن الراغي والهواء الطلق.. إلى بقعة اجتمع فيها قطعان من البقر اختلف مالكوها والمشرفون عليها واتفق حالها في اختيار المكان والتعامل التجاري مع الراغبين في اللبن (لحسان).
كانت المدن – وخاصة العاصمة- تغلي بعقابيل الأحداث العرقية التي جرت في العام السابق، وصبت أزمة الخليج زيتها على تلك النار الموقدة؛ إذ كان صدام حسين قد اجتاح الكويت قبل قليل، والعالم يحبس أنفاسه مترقبا ما تتمخض عنه الحبولة السياسية العسكرية..
في الوقت ذاته كان من بين جيراننا هناك من يعيشون في عالم آخر، لا شأن لهم بما يشغل غيرهم. وقلما تخلو أيامهم من طرفة تستحق التخليد، وكان أطرف ما لديهم نوازلهم ونزاعاتهم.
مرة اختصم راعي بقر (أنمراي) وراعي ضأن في خروف التقطه الأول بعيد ولادته فاصطنعه لنفسه، ولكن صاحبه تعرف عليه وأثبت ملكه إياه قبل فوات الأوان، فلجأ الملتقط إلى دعوى ربما تجعل المالك يرضى من الغنيمة بالإياب.
زعم أن الخروف استهلك على مدى شهرين أو أكثر كمية حسبتها فوجدتها 140 لترا من حليب البقر، ثم حسبت القيمة بسعر الوقت فوجدتها 56000 أوقية، وهو ما يفوق –في تلك الأيام- سعر الخروف وأبويه وخالاته وإخوته معا!
ومما لفت انتباهي أن معدل استهلاك الخروف المزعوم لم يرتفع مع نموه البدني، وإنما ظل لترين يوميا، رغم أنه في العشب الغض الطري، كما أن مالكه لم يفهم أن الخروف لا ذمة له، ولم يأت هناك “محاسنا” فيستخف بدعوى من زعم أنه بذل فيه ماله بكامل إرادته.
غير بعيد منهما كنت أتمشى وقميصي (وكان أبيض) على عاتقي فجئت خيمة مع الغروب وطلبت ماء للوضوء، وأثناء الانتظار وضعتُ قميصي على طرف الخيمة حرصا على نقائه وسلامته من الحَرَشون (إنيتي) وفي ثوان فوجئت به على الأرض رغم سكون الرياح، فأعدته فهوى إلى الأرض بأسرع من لمح البصر!
التفت لأستجلي الخبر فوجدت سيدة البيت الواقفة قربي هي من يفعل ذلك؛ وزيادة عليه كانت غضبى لأني “عرّضتهم للهلاك”!
آنها علمت أن من الناس من ينزعج من وضع ثوب أبيض فوق خيمته في المساء!
ومما يدخل في هذا الإطار ثلاث نساء مصحوبات بزوج إحداهن، وكانت أختاها تصافحان الرجل اعتقادا بمحرمية زوج الأخت!