ثقافة

من روائع الحكايات والأساطير الموريتانية(35) / د. محمدو احظانا

أم الروايات
رواية “النبير” والصيادين السبعة

قال الراوي مخاطبا حلقته:
حاجيتكم ماجئتكم:
“أربعة رجالة، في الرق عجالة، تتبعهم عجوز رقالة”؟

قال أول المجيبين:
-لا أعرفها.
وقال الثاني: كنت أعرفها ونسيتها.
وقال الثالث:
لم أعرفها إن لم تكن قوائم الفرس الأربع وذيلها.”
قال له الراوي متحمسا:
-أبوك كان فارسا. صدقت.

الفصل الأول

قيل لكم في ما قيل لكم:
إن سبعة رجال من الأولين أشداء ماهرين في الصيد بالسهام والسيوف والفؤوس والرماح، والمزاريق، والخناجر .. لايرمون إلا قصير العمر؛ خرجوا عن أهلهم معا في رحلة مشهودة لصيد حيوان هائل يدعى “النبير”، وهو من جدود فرس البحر العملاق.
ينام هذا الحيوان، الذي انقرض، شهرا تحت ماء النهر ويستيقظ شهرا، فإذا استيقظ خرج من النهر وهو يتهادى، ويهتز كالسكران، والتهم كل الحيوانات المفترسة وغير المفترسة التي يصادفها على ضفته، بما فيها بابه سبع الغابة الذي يجعله النبير لقمة واحدة من وجبته. وبابه يعرفها، لذلك يتجنب رحبته.
ثم يعود النبير إلى النهر وهو يتهادى ويهتز كما خرج منه.

****
كانت الدواب والحيوانات المفترسة، والزواحف البحرية كالتماسيح.. تخاف منه أشد الخوف وتهرب من وجهه.
أما البشر فلا يبلغ تخمينهم العاشر أن يقتربوا من النهر عندما يكون الشهر شهر يقظته.

الفصل الثاني

كان علم الحيوان والإنسان متساويا في أنهم إذا لم يهربوا من وجه النبير عشرة أميال وأكثر، عند خروجه، فإن فرص نجاتهم معدومة.
وأطم المطمات أن صيحة النبير من مكان قريب تقضي على الحيوانات والإنسان فورا لأنها تثقب الأذن التي تليها، وتمر بالدماغ فتفجره وتخرج من الأذن الثانية.

****
وللنبير قدرة فائقة على ارتشاف كل شيء من مسافة بعيدة إذا غضب.
ولا يعرف أحد كم يعيش من العمر مع ذلك؟ ولا أين يوجد إذا نام شهره تحت الماء؟ ولا كيف يتكاثر؟ إن صادفه كائن ونجا فحظه يكسر الحجارة.

الفصل الثالث

قرر الرجال السبعة الأقوى والأشجع، والأشد قرما، والأكثر تسليحا.. أن يقضوا على النبير ليتقاسموا أعضاءه النبيلة، لأن لكل واحد منها فائدة لاتقدر بثمن، كان لدى الرجال قسي تئز أوتارها أزيز الرعد، وسهام لها صفير كصفير الرياح العاتية في أغصان الشجر إذا مرقت، ومزاريق نافذة وضارية، إن رشقوا بها أو رموا كائنا نفذت منه ورسخت في الأرض خلفه.
وكانوا مع ذلك يمتشقون سيوفا أقطع من الصواعق، التي تمزق السماء، وخناجر أحد من البصر النفاذ، وبين جوانحهم- من وراء ذلك كله- قلوب قدت من صخور النار، وسواعد فتلت من صلب الحديد.

الفصل الرابع
جلس السبعة الرجال على شاطئ النهر من حيث يخرج “النبير” عادة، وانهمكوا في الحديث المفصل عن نصيب كل واحد منهم من أعضائه النبيلة، وأهمها كما قال لهم ساحرهم الخبير:
-قلبه لأنه يمنح لآكله شجاعة لا توصف؛
-كبده لأن آكله لا يعطش أبدا؛
-رئته لأن آكلها لا يفتر من دوام الركض والعراك والجلاد.
-كليتاه لأن آكلهما لايصاب بأي مرض؛
-لسانه لأن آكله يصبح مفوها من أبلغ البلغاء؛
-عيناه لأن آكلهما يصبح أبصر من الزباء أوورقاء اليمامة.
-أذنيه لأن آكلهما يسمع من مسيرة أسبوع.
-ورئتاه لأن آكلهما يصبح أسبح من سمك السلمون الذي يغلب السيل. و يمكنه بعد ذلك أن يقضي أياما تحت الماء لا يتنفس إلا كما يتتفس النبير..

****
اختلف الرجال السبعة اختلافا كبيرا على نصيب كل واحد منهم من أعضاء النبير النبيلة، لأن كل واحد منهم يطمع بنيل صفتين أو أكثر من صفات النبير؛ بل إن أحدهم طمع في كل صفاته فقال لرفاقه:
– ما من رجل إلا ويريد كل هذه الخصال..
تخاصم الصيادون السبعة وتلاحوا حتى تزلزلت الأرض تحت أقدامهم، وأحدثوا ضجيجا لا أول له ولا آخر، مرج له النهر واضطرب ماؤه حتى أيقظ “النبير” من نومته العميقة فاستشاط غضبا، وسبح تحت الماء حيث الرجال، فلما صار قريبا منهم، فتح فاه العظيم وارتشفهم جميعا بأسلحتهم وأطماعهم، وطموحاتهم، وتفكيرهم السيئ.. في تقاسم أعضائه النبيلة وهم لم يتمكنوا منه بعد. وتثاءب بعد ابتلاعهم. ثم غاص في الماء ثانية وهو يغالب نومه الداهم..

قال الراوي:
“وربطت أنا نعلي عنهم، وعدت إلى أهلي، أبقاني الله سالما، أحدث عن النبير والصيادين السبعة، دائرا عن دائر”.

م. أحظانا


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى