أعلام

شَمَّادْ ولْ أحمد يورَ

شَمَّادْ ولْ أحمد يورَ …

هو أحْمَدْ بابَ (شمَّادْ) نورُ الدين بن امحمدْ بن أحمد يورَ بن محمذن بن أحمد بن محمد العاقل ووالدته ابنَيَّ بنت بازَيد بن محمذن بن الفالي بن المبارك بن الماقور بن الفالي بن الكوري بن سيدي الفالي. وُلدَ عام “ادْخَيْخِينْ” الموافق 1894م عند “آڭِلالْ فَايْ” بولاية اترارزة.

كان أحد أبرز الوجوه الثقافية والأدبية في منطقة الڭِبلة وفي موريتانيا عموماً خلال القرن العشرين الميلادي. تميز شماد بإجادته للشعر فصيحا وعاميا وبتبحره في مختلف المعارف العربية والإسلامية والإنسانية.

كان شمَّاد جديا مجتهداَ في أموره، مقبلاً على شؤونه، ماضيا في عزمه، قوي الشخصية، ثابت المواقف، مُهاب الجانب، مهيب المجلس، أنيق الهندام، طيب الرائحة، نفيس المُقتنيات، مُترف العيش، منفتح الفكر، حاضرا، مسموع الكلمة في الجموع، مستقيما في أوراده وأذكاره وبرنامجه اليومي، ذا علاقات واسعة في مختلف أطياف المجتمع جماعات وأفرادا، مُبجلا عند عامته وخاصته.

كان شماد مواكبا لتطور العالم من حوله، درس صغيرا مبادئ اللغة الفرنسية بجهوده الخاصة خارج المدرسة وبدأ مبكراَ يستمع للإذاعات العربية كصوت القاهرة والإذاعة الإبريطانية وغيرها. أعطاه والده الذي كان أصغر أبنائه ورد الشاذلية الصغرى وأمره بتتميمه على أخيه ورفيق حياته أحمدو بابَ.

كان لشماد مجلس وقور تحكمه ضوابط سلوكيه صارمة يعرف محلياً ب”الظحوية” يُنشد فيه مختار الأشعار والأخبار والقصص والنوادر وغيرها ويُطعم فيه شهي اللحم وتُسقى فيه كؤوس الشاي.

نشأ محاطا بالرعاية من قبل محيطه وخاصة والده الذي ظهر ذلك جليا في شعره، ففيه يقول على وجه التدليل والترقيص :

يا ربِّ شمَّادُ لا سُرَّت أعاديهِ
ولا أصابتهُ من دهرٍ عواديهِ

وانفِ المكارهَ عن أرضٍ ألمَّ بها
فما تمُرُّ بوادٍ حولَ واديهِ

ويقول فيه من الشعر الحساني :

إنتَ يَخيَارْ أهل الغابَ
وأهل الحَيرِش وأهل إدِينِي

أسمك شمدَ وأحمدْ بابَ
واسمَكْ لَوخَر نورُ الدِّينِ

كما يقول فيه منه أيضاً :

يهل إنجَينُ
يعمل شَمْدَ

تبرَ عينُ
ذيك الرّمدَ

ويقول فيه :

نورُ الدينِ لا شفت فيهْ
ربي مسلَ توذِينِ

نور الدينِ وخيرت بيهْ
وخيرت بنور الدينِ

نشأ في محيط منفتح ذي ثقافة واسعة بين أفراد أسرته كوالده العلامة الشاعر امحمد بن أحمد يورَ ووالدته سليلة الرؤساء الأفاضل ابنيَّ بنت بازيد الفاضلية وعميه العلامتين: عبد الله ومحمد فال “ببَّها” ابني محمذن بن أحمد العاقل وإخوته الأعلام محمد بابَ ومحمذن بابَ وسيدي بابَ وأحمدو بابَ. كانت ولادته بُعيد وفاة جده لأبيه أحمد يورَ وعميه : المختار أمو (التاه علماً) وسيد ألمينْ. كانت له في محيطه المباشر علاقة خاصة مع القاضي محمذن بن محمد فال “امَّيَي” علماً.

اتصل مبكرا على غرار أفراد أسرته بالوسط الأميري ببلاد الترارزة “المَحْصَرْ” وما فيه من أمراء وأعيان وشعراء وزفانين وحاشية متنوعة التخصصات.

بدأ عام 1924م يسافر بانتظام إلى السنغال حيث تعرف على عدد كبير من الشخصيات الأدبية والسياسية والاجتماعية والتجار من السنغاليين والمغاربة واللبنانيين وغيرهم، كما اتصل ببلاط أهل ابن المقداد في مدينة سينلوي وما فيه من حضور لشخصيات مختلفة المشارب.

قرض الشعر مبكرا وحفظ كما هائلا من مُنتقاه ذا اعتناء كبير بإنشاده لغةً ونحواَ وأداءً.

تزوج شماد في الأربعينات بالسيدة امنيانَ “النانه” بنت محمد بن عبد الله بن محمذن بن أحمد بن العاقل وله منها ابناه العلمان الأديبان الموسوعيان القاضي محمدن والأستاذ امحمد.

ترك شماد ديوانَي شعر فصيح وعامي ذائعين على ألسنة الجمهور. من شعره الفصيح قوله في ما يعرف محليا ب “شرع انتفكَه” عام 1956م :

غطارفَ “نادي الخمسِ” قوموا لأرضكمْ
بأنقالِ فقه لن نخافَ لها طَردا

وبذل جزيل المال إذ حان بذله
ولا تتركوا جمعا يشذ ولا فردا

ولا تقبلوا لِينَ القناة مخافةً
ولا تلبسوا للذل في شأنها بُردا

فإن اختراعاتِ الدعاوي بأرضنا
لعبن بنا شيباَ وشيبننا مُردَا

ومنه قوله في النسيب:

إن ربعَ المصيفِ فوقَ “المَصيرِ”
زادني اليوم عبرةً بالمصيرِ

مُذ بدا لي وما به من أنيسٍ
إن في ذا لعبرةً للبصير

وفيه يقول أيضا :

ليالٍ أقمناها على قنة “البدرِ”
تمر بنا تلك الليالي وما ندري

تغافل عنا الدهر فيها بصرفه
فمرَّت علينا والسرور بلا حجرِ

فما لِي بها – والمرء يسفهُ تارةَ –
ليالٍ أقامتهنَّ ليلى على الجفرِ

ومنه قوله في المطربة المرحومة محجوبَ بنت الميداح :

محجوبَ صوتُك في الآفاق مطلوبُ
وصيتُ صوتك مرفوعٌ ومنصوبُ

دعي جهالةَ من يشدو مُحاكِيَهُ
عن نفسه المرء يا محجوبَ محجوبُ

ويقول في والدتها المطربة الشهيرة “تَكيبرْ” بنت أعمر امبارك بن اشويخ :

تكيبرٌ للذي أسمعتنا عُودِي
من مُستجادِ الغنا والضرب للعودِ

فليسَ شأوُكِ إذ غنَّيتَ مُشتركاً
عزَّ المُغنِّينَ من بِيضٍ ومن سُودٍ

والضَّربُ أنواعهُ فُقْتِ القيانَ بها
ضربُ الرِّجالِ وضربُ الخُرَّدِ الرُّودِ

يقولون إن الشاعر المفلق محمد بن أبنو بن احميدَن الشقروي سبق شماد إلى إنشاد الشطر الأخير من الأبيات فكان الشطر كما أراده صاحبها.

ومن سلس شعر وسهله قوله في حكم القبض في الصلاة :

سُنَّةُ القبضِ عابدٌ قد نفاها
بنُصوصٍ للأقدمين عزاها

إن رآها المُصغِي لِقولةِ حَقٍّ
صَدَّ عما قد اقتفَى واقتفاها

ومن شعره الحساني قوله في الابتهال :

الله بركت ثانِيْ إثنَينْ
أجعفرْ والحَسَنْ والحُسَينْ

وَهْلْ العَقَباتْ الثنتينْ
وِلِي فِلْبَقِيعْ أمن الناسْ

والڭَوْمْ ألڭعْدُو فَوْڭ العينْ
أبركِتْ حمزةَ والعباسْ

اِتْنَجِّينَ مِن باسْ العينْ
اُبَاسْ اِلِيلُو كاملْ باسْ

اُ ذَ الدهرْ اليوم اِلي لوباشْ
فيه أعل لَفَاضِلْ تِنْهاسْ

إحراش اِلِي ما ڭَطْ احْراشْ
وِمْلاسْ اِلِي ما ڭطْ اِمْلاسْ

ومنه قوله في النسيب :

مَـفَــكَّــرْ ذَ الخَـلْـقْ إلـِّ كَانْ
ذَ العَامْ الفايِتْ فِي الخِمْسَانْ

اُبُحَجْرَ وِحْسَيْ الكِـتَّانْ
وِنْبَـيْـكِـتْ لِمْعاڭِـلْ وِنْـبَـدْ

مِشَّـيْـفَـرْ فِرْڭانْ افِّرْڭانْ
لَـيْـنْ اِنْتاڭُـومْ إلَـ بَـڭَــنْـدْ

راهُ مَـرْ اِمْـشَـرَّڭْ ذَ لْعَامْ
وِتْـخَـطَّ جَـڭـيْـنَاتْ اُسَـدْ

وِتْخَطَّ نَصْرَ وَجَـڭَّـامْ
وِلَوَّدْ لِـبْـلَـدْ شَرْكْ اِبْـلَـدْ

ومن جميل شعره مما يعكس شخصيته المتميزة المتوكلة عليه سبحانه وتعالى قوله في الانتخاب على قانون الإطار الخاص بما وراء البحار عام 1958م المعروف محلياً ب”زَرْكْ وَيْ ونونْ”، حيث كان من مناصري الاستقلال التام الرافضين للحكم الذاتي والبقاء ضمن المجموعة الفرنسية :

ذَ الزَّرگ اِلِي خبرو مَشدودْ
فيه الي واسِي حَدْ ابْرُودْ

يِگدِرْ يِسْكِتْ فِمُّو وِعُودْ
فَخلاگو مَكنونْ المكنونْ

أويگدِرْ يتوكَّل بالمَعبُودْ
أويزرگ ورگه خظرَ مِن نُونْ

هُوَ راهُو عِمْرُو محدودْ
فاتْ اگبَيلْ أورزقو مَضمُونْ

بحكم مكانته الأدبية كانت له عدة إخوانيات مع عدة شخصيات أدبية وغيرها. من ذلك ما قاله فيه تربه وصديقه الشاعر الأديب أحمدو بمبَ بن أحمد بن ألمين بن أحمد بنالعاقل – وكان شماد قد أرسل إليه يطلب منه بعض العطر – :

إلى الندب نور الدين مني تحيةٌ
ترى المسكَ منها غيرةً متغيبا

ومن ثغر “أم المؤمنينَ” اقتطفتها
ومن طيب أصل الشيء يأتيك طيبا

توفي شمادْ ول أحمد يورهَ عن عمر حافل جميل عام 1977م في مدينة سينلوي بالسنغال ودُفن في مزار الميمون حيث والده ووالدته وأغلب أفراد أسرته.

وممنْ رثاه الدكتور الظاهرة المقبول جمال بن الحسن رحمة الله عليه، يقول جمال من قطعة جميلة فيها من الإشارة والتلميح الشيئ الجميل :

واهاً لِدينِ محمَّدٍ ولِسُنَّتِهْ
فكِلاهما أوهى الردى من مُنتِهْ

وكِلاهما باكٍ فما يُجدِي إذا
عَنَّتْ لهُ الأشواقُ جذبُ أعِنَّتِهْ

وإڭِيدِي خفَّاقُ الصدى لا شاعرٌ
يبكي على ثوبانِهِ أوْ حَنَّتِهْ

همت عليه وعلى ذلك الربع شآبيب الرحمة والغفران.

طاب مساؤكم.

عز الدين بن ڭراي بن أحمد يورَ


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى