أعلام

سطور قليلة في حق الوزير الداه ولد أعمر طالب

لست ممن تعود تدبيج المقالات بدافع المصالح الشخصية، فلم أمارس ذلك قط ولن أمارسه عوض إن شاء الله، كما أني لم أكتب عن مسؤول، ولم يجر قلمي في ميدان السياسة إلا لماما، وليست السطور التي بين أيدينا من السياسة في شيء، وإنما هي مسألة تمليها الفطرة السليمة على كل ضمير صادق، بكل براءة، فلا يسع من وهبه الله نصيبا من الإنصاف وحب الوطن، والحرص على مصالح عباد الله في بلاده، إلا أن يقول للمحسن أحسنت، وقد يقدم قائل هذه الكلمة للأمة ما عجز عنه صاحب أفعال كثيرة، إذ تعد الإشادة بصنائع المعروف وتثمينها عاملا فعالا لنشر الفضيلة، ولتحفيز الآخرين على الاحتذاء بصاحبها والتخلق بأخلاقه “ورب حديث خير هاج خيرا”.

لقيت الداه ولد سيدي ولد اعمر طالب ثلاث مرات قبل أن يُختار لمنصب وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي؛ أولاهن كانت في محظرة التيسير، وهو لا يزال طالبا، وقد أبان لي حينها مجلس معه قصير – وهو ما أكدته لي أحاديث العارفين به من أهل المحظرة – أنه كان ثاقب الفهم، جادا في دراسته، مقبلا على تحصيل علم يكون قلبه له وعاء ويصحبه أنى يمم، كما هو شأن مجتهدي طلاب المحاظر.

وكان اللقاء الثاني في محظرة تنويش حين كان شيخا لهذه المحظرة، بعد أن استحق الإجازة بجدارة من شيخ محظرة التيسير العلامة محمد الحسن ولد أحمدو الخديم، فكان الداه ولد أعمر طالب ابن المحظرة البار الذي تربى في حضنها، وأباها الحنون الذي تربت في حضنه.

وكان اللقاء الثالث في مباني إذاعة موريتانيا، حيث كان ولد أعمر طالب حينها عضوا بالمجلس العلمي لقناة المحظرة الناشئة، وقد رأيت تفانيه في العمل، كما بدا لي حرصه على أن تظهر القناة في مظهر لائق، حتى يشاهد العالَم مباشرة ما ظل يسمع عنه بواسطة، من علم سكان هذه الربوع، كما بهرني إقراؤه لألفية البيان للسيوطي، خلال برنامج لهذه القناة، وقد قيل لي أيامها إن العارفين به هم من أشاروا على القائمين على القناة إذ ذاك باستدعائه لهذه المهمة، قائلين إنه لا أحد يغني في ذلك غناء هذا الشاب.

أما أول لقاء لي مع الداه ولد أعمر طالب بعد أن تقلد منصب وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي – والذي كان بداية لقاءات مع الرجل تشرفت بها – فكان حين زرته في مكتبه بالوزارة حوالي العاشرة ليلا، وقد قيل لي حينها إنه يرابط هناك منذ الثامنة صباحا، وإنه لا يغادر مكتبه ما دام يعلم أن هناك أحدا في قاعة الانتظار.

لم يتخذ الداه ولد أعمر طالب من المبادرات والتطبيل وشبه ذلك وسيلة للوصول إلى المناصب السامية في الدولة؛ بل لم تعرف عنه ممارسة أي نوع من أنواع السياسة قبل تقلده منصب وزير، فهو الشاب القادم من طالب محظرة، إلى شيخ لها، إلى قاض وعضو بالمجلس العلمي لقناة المحظرة، عكس مسؤولين كثر اتخذوا من التطبيل والتملق جسورا عبروا منها نحو الوظائف السامية.

وهنا – وحتى لا نظلم من ينظمون المبادرات، ويثنون على الحكام أو يقولون فيهم خيرا – لا بد من أن نشير إلى أن هناك فرقا بين الثناء الصادق وبين الكاذب، فالأخير هو أن تثني على الإنسان لذاته، لا لفعله ولا لصفاته، وهذا تزلف وتملق تنفر منه النفس الكريمة ويأباه الطبع السليم، أما الصادق فهو أن تثني على الإنسان لأفعاله الخَيّرة، ولصفاته الحميدة المكتسبة، وهذا مطلوب لاستمرار أفعال الخير، ومن باب قولنا للمحسن أحسنت، كما قدمنا
وإذا الدنيا خلت من خير
وخلت من ذاكر هانت هوانا

ما إن استدعي الداه ولد أعمر طالب لتكليفه بحقيبة وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي حتى بدأت جميع مؤسسات القطاع تستيقظ، بعد أن كانت نائمة نومة عبود، فقد شهدت الوزارة في عهد هذا الوزير تحسنا لا يخفى أوْ تخفى شمس الظهيرة غب الدجن، وذلك عن طريق العمل الدؤوب والسهر المتواصل، من أجل تحقيق تعهدات الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وقد رأينا الوزير الداه ولد أعمر طالب يقول أكثر من مرة في تصريحات له، بعضها منشور، إنه تأكد منذ اليوم الأول من تعيينه وزيرا أن فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لا يقبل بحال أن تكون تعهداته شعارات انتخابية ميتة “تُقَّطَّع بها ظُلوعُ الزمن” وإنما هي التزامات صادقة، من رجل وطني يستشعر مسؤوليته أمام الله تعالى وأمام الشعب.

بدأ الوزير الداه في تفعيل مؤسسات قطاعه منذ اللحظة الأولى، فلم يعرف دهشة الداخل، ولا ينبغي له، إذ ليس بالغريب على القطاع ولا القطاع بالغريب عليه، وكيف وهو العالم الشرعي المحقق، ابن المحظرة وشيخها، والشاب المتحضر المطلع على علوم العصر، المستفيد منها، كما يؤازه في هذا المجال ما يعرف عنه كل من عرفه، من عزم وحزم وصرامة ورغبة في الإصلاح، إضافة إلى ما عرفنا فيه من حسن الإصغاء للاستفادة من مفيد أفكار الآخرين ورمي غير المفيد منها، وهكذا تم الشروع في إصلاح جذري لقطاع الشؤون الإسلامية، فجاءت الإنجازات العظيمة وفق تعهدات الرئيس، والتي سنشير إلى بعضها إجمالا؛ لا حصرا ولا تفصيلا، وإن كانت قائمة شاهدة لنفسها لا تحتاج دليلا
وليس يصح في الأذهان شيء
إذا احتاج النهار إلى دليل

لقد أعلن الوزير ولد أعمر طالب ثورة إصلاح حقيقي، شملت المساجد والقائمين عليها، والمحاظر وشيوخها، والمعاهد الجهوية، والأوقاف، واللجنة الوطنية للأهلة، والمحظرة الشنقيطية الكبرى باكجوجت، والمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، وجامعة العلوم الإسلامية بالعيون، ومركز التكوين المهني للمحاظر، وتحقق الكثير كذلك في مجال محاربة الغلو، وفي شفافية الصفقات، كما أنشئت جائزة رئيس الجمهورية لحفظ وفهم المتون المحظرية، والتي بعثت الألق من جديد في عالم المحظرة وعلومها.

وفي عهد ولد أعمر طالب، عاد الحجاج الموريتانيون وهم يثنون – ولأول مرة – على معاملة الوزارة إياهم، حيث تمكنوا من تأدية مناسكهم في أجواء مريحة، لم يكل فيها الوزير الإشراف على خدمتهم لغيره؛ وإنما أشرف عليها بنفسه، كما تم إنشاء دار المصحف الشريف للحيلولة دون دخول المصاحف غير محكمة الضبط للبلد، و وزعت مئات آلاف المصاحف، وتم إنشاء هيئة العلماء، ثم إعلانها ذات نفع عام… دون أن ننسى تمثيل الرجل لهذه البلاد في المحافل الدولية، حيث رآه غير الموريتانين وفق تصورهم لعلماء الشناقطة؛ أبناء المحاظر الذين قرؤوا عنهم ولهم… وغير هذا كثير.

وباختصار، فهي نقلة نوعية، حصلت في هذه القطاعات وغيرها من قطاعات الوزارة، استحقت بها هذه الحقبة أن تسمى “عهد نهضة وزارة الشؤون الإسلامية”؛ نقلة يراها كل ذي عينين لم يعمهما حقد لا دواء له
وليس بالضائر شمسا عما
ضياؤها أن لا يراها الأعمى

وفي حلبة السياسة، كانت الكاريزما الجيدة والتخطيط المحكم وحسن إدارة العلاقات، سلاحا فعالا، مكن هذا الشاب الذي لم تعرف عنه ممارسة السياسة سابقا، من دحر شيوخ السياسة الذين حلبوا الدهر أشطره، كما حصل في لعيون ودوائر أخرى تم تكليفه بها، وخاصة عرفات – وما يوم حليمة بسر – فهي الدائرة الانتخابية التي استعصت على الأنظمة المتعاقبة حقبا عديدة، فطالما أعدت الأنظمة فيها للمعارضة ما استطاعت من قوة، وملأتها عليها خيلا ورجلا، ثم عادت بخفي حنين، حتى انتدبوا لها هذا الوزير، ثم عادوا مطمئنين في انتظار النتيجة، بعد أن تأكدوا أنهم نبهوا لها عمر.

إخلاص ولد أعمر طالب في العمل ورؤيته الثاقبة والقدرات التي يتمتع بها… أمور من بين أخرى جعلت الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني يرى فيه الأهلية للنهوض بقطاع الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي من الوضع المأساوي الذي كان عليه، ثم يحتفظ به بعد أن تحقق من أن البرق الذي شام فيه لم يكن بخلب.

محمد الامين ولد لكويري


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى