العلامة الحسن ولد آغبدي الزيدي
أذكر وأنا غلام على كتف الزمان أني حضرت محاضرة للدكتور جمال ولد الحسن رحمه الله ، لا أتذكر موضوعها لكنني أتذكر أنه ردد مرتين أو ثلاث اسم العلامة الحسن ولد آغبدّي ، فكان لذلك الاسم رنين شهي في المسامع كالحميا خصوصا بصوت جمال الشجي وكان يردده بما يشبه الترنم.
جرت مياه كثيرة تحت جسر الزمن ولِيث من دون اللثام لثام..
هو العلامة الحاج الحسن بن آغبدي بن أحمد بن الحسن بن محمد بن عمران الزيدي الداودي.
يذكر أن أبناء أدَيْ بن حسان هم : (اعروگ – رزگ – مغفر).
ومن ذرية اعروگ أولاد داود ومن أولاد داود ينحدر أولاد زيد ومن أولاد زيد ينحدر أولاد الحسن القاطنون في تيشيت ومنهم بيت العلامة الحاج الحسن ولد آغبدي.
قال عنه العلامة المؤرخ صالح بن عبد الوهاب في “الحسوة البيسانية” لدى حديثه عن بطون أولاد زيد من أولاد داوود:
“ومن أولاد الحسن بيتَا العلم والعمل، وهما:
بيت شيخ المشايخ الحاج حسن بن آغبدي الزيدي وابنه الحاج سيد محمد بن الحاج الحسن وكانا عالمين مشهورين وكانا يسكنان بقرية “تشيت” وكانت لهما رئاسة علم مشهورة..
والبيت الثاني بيت أهل موسى بن أيجّل ومنهم ابنه سيد محمد بن موسى بن أيجّل”.
ولد الحاج الحسن سنة 1065هـ – 1654م بمدينة تيشيت وفيها تلقى العلم.
وقد أخذ عن مجموعة من العلماء منهم العلامة سيدي أحمد الولي بن أبي بكر بن أحمد المحجوبي الولاتي، و القاضي الفقاري الماسني التيشيتي وأبوبكر بن أحمد بن الشغه بن محمد المسلمي التيشيتي.
وفهم العلامة المؤرخ المختار ولد حامد في كتابه (الحياة الثقافية) من كلام البرتلي في (فتح الشكور) أن الحاج الحسن أخد مباشرة عن العلامة أحمد أبي الأوتاد الحنشي الغلاوي التيشيتي ، وعلى ذلك سار من نقلوا عنه ، إلا أن الدكتور جمال ولد الحسن في تحقيقه لكتاب (ضالة الأديب) للعلامة سيد محمد بن محمد الصغير بن انبوجه العلوي، استبعد ذلك وأرجع منشأ الالتباس للرجوع إلى كلام البرتلي في ترجمته للحاج الحسن دون مقارنته بما ورد في التراجم الأخرى .
وللحاج الحسن سنَدان متصلان بالعلامة شيخ الشيوخ سيدي أحمد أيد القاسم بن سيدي أحمد بن علي بن يعقوب الحاجي الواداني ، أحدهما عن القاضي الفقاري الماسني التيشيتي عن أبي بكر بن أحمد بن الشغه المسلمي التيشيتي عن سيد أحمد أبي الأوتاد عن الشيخ سيدي أحمد أيد القاسم.
والثاني عن العلامة سيدي أحمد الولي بن أبي بكر بن أحمد المحجوبي الولاتي عن الشيخ سيدي أحمد أيد القاسم.
وجمع العلامة الحسن ولد آغبدي من علوم عصره، ومعارف محيطه ما أهّله المكانة السامقة التي حظي بها.
يقول عنه الطالب محمد ابن أبي بكر البرتلي الولاتي في (فتح الشكور):
“كان أحد الأعلام المشهورين والأئمة المذكورين، درس وأفاد وأحيا بفتاويه سبيل الرشاد ، انتهت إليه رئاسة الفقه، وجدّ في طلب العلوم فبلغ الغاية القصوى منها، فقيها، فاضلا متفننا، إماما في الفقه والحديث، مستحضرا لهما، مشاركا فيما سواهما، بصيرا بطرق الحجة، بصيرا بما تدل عليه مسائل المذهب ، يدرس العلم دراسة حسنة.
وكان من أهل العلم اذا نزلت النازلة يسألونه ويقتدون به، وكان قيّما على مختصر الشيخ خليل حسن الإقراء له، وكان يقول: “الأصل في الإقراء تقرير المتن ومازاد في الإقراء على ذلك فضرره على المبتدئ أكثر من نفعه”.
خبيرا بالمدونة والأمهات و القواعد، عليه مدار الفتوى في الفقه في بلادنا، عالما بأصول الدين، وافتى وصنف رحمه الله وكان أفقه أهل عصره بالاتفاق”. هـ
وأخذ عن العلامة الحاج الحسن ، الفقيهان الأخوان الشريف محمد والشريف احمد ابنا فاضل الشريف التيشيتي، والطالب أحمد بن محمد بن الحاج الطيب الجماني وغيرهم من الأئمة الفضلاء ، كما اخذ عنه الفقيه محمد بن بابا الإجازة في الحديث.
وقد طار صيت الحاج الحسن في الآفاق حتى أصبح تلاميذه يفاخرون به حواضر المغرب، وإلى ذلك يشير تحويرهم لبيت المغاربة الذي حَلَّوْا به الحسن بن مسعود اليوسي وهو:
من فاته الحسن البصري يصحبه :: فليصحب الحسن اليوسي يكفيه
فحوره طلاب الحاج الحسن بن آغبدي إلى:
من فاته الحسن اليوسي يصحبه :: فليصحب الحسن الزيدي يكفيه.
وكان العلامة الحسن مصدر إجازات وأسانيد للعديد من أهل العلم في المنتبذ القصي وخارجه في الحديث وعلومه، لتضلعه فيهما، ونظمه لـ (نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر) لابن حجر، وشرحه لها يعكسان قدرته، وكذلك نظمه حول ضبط المتشابه من رجال الصحيحين.
عدّه الدكتور محمد المختار ولد اباه طيب الله ثراه، في كتابه (تاريخ علوم الحديث الشريف في المشرق والمغرب) من طليعة من ألف في مصطلح الحديث وكان أول عمله نظم “نخبة الفكر” وفي ذلك يقول:
نظمه حسنُ الزَّيْدِيا :: فاجْعَلهُ ربي صالحًا مَهْدِيّـَا
ضَمَّنْتُهُ النُّخْبَةَ لابنِ حَجَــرِ :: سِوى الذي تفْصيلُهُ لم يُذْكَـرِ
ويضيف الدكتور محمد المختار ولد اباه: والموجود من مؤلفاته: أرجوزة قصيرة نظمها سنة 1110هـ في مصطلح الحديث بعنوان “الكامل” وروضة الأزهار فيما اصطلح عليه من الآثار وضع عليها شرحا سماه “قرة الأبصار”.
يقول في أول نظمه “روضة الأزهار” في مصطلح الحديث:
“يقول العبد الفقير المضطر لرحمة ربه وغفران ذنوبه المنكسر خاطره لقلة عمله وتقواه الحسن بن آغبدي بن أحمد بن الحسن الزيدي:
بدأتُ باسْمِ الله ذِي الْجَــلاَلِ :: هُو الذِي يُطْلَبُ في الآمَالِ
مُصَلِيًا عَلى الرَّسًولِ المُصطْفى :: وآلِهِ وَصَحْبِهِ ذَوِي الوَفَا
وَبَعْدُ أَوْلَى مَا به المرءُ عُــني :: تعلمٌ لِكلِّ ما في السُّنـنِ
من صحَةِ الأخْبارِ والمَوضُوعِ :: من كَذِبٍ مُخْتَرعٍ مَصْنوعٍ
ثم يقول في تعريف أنواع الخبر:
والخَبرُ اعلمَنْ لهُ أَقْسَامُ :: أَرْبَعَةْ يُجْلَى بِها الظّلام
فالأول المُفيدُ لليَقيــنِ :: تَعَدَّدَتْ له بلا تعْييــــنِ
كثيرةٌ من طُرُقُ الرَّوَاةِ :: مِنْ غَيْرِ حَصْرِ عَدَدِ الرُّوّاَة
وهْوَ الذي سُمي بالتواتُرِ :: مَعَ كَوْنِهِ مجَانِفَ التَّهَــاتُرِ
وإن يكن عَدُّهُمُ مَحصُورَا :: ما فوقَ الاثنين فَقُلْ مَشْهُورا
وذَاكَ قَدْ رُويَ مسْتفيضَا :: عن بعْضِهمْ مُصاحِبا تَمْريضَا
وإن تكن محصورة في اثنين :: فقل عزيز ذا بغيــر مين..
ثم قال في ختام النظم
قد انتهي نظما بحمد الله :: ذي الطَوْلِ والمجدِ بلا تنَـاه
في عام عشْرٍ معْ ألفٍ ومائةِ :: من السِّنِينَ قد مَضَتْ للهجرة
نظمه حسنُ الزَّيْدِيـــــا :: فاجْعَلهُ ربي صالحًا مَهْدِيّـَا
ضَمَّنْتُهُ النُّخْبَةَ لابنِ حَجَــرِ :: سِوى الذي تفْصيلُهُ لم يُذْكَـرِ
سمَّيْتُها بِرَوْضَةِ الأَزْهَارِ :: فيما اصْطُلِح عليه في الآثَارِ
ذهب العلامة الحسن إلى الحج ولايعرف الكثير عن رحلة حجه لأنه لم يدونها، وتفيد المصادر الشفهية أنه مر ببعض بلدان إفريقيا، ومر على مصر واجتمع بعلماء الأزهر الشريف، وكانت له مساجلات معهم ونظر في نوازل الفقه ومستجدات الناس وأحوال الفتوى، ومكث فترة بالحجاز قبل العودة إلى المنتبذ القصي.
ولقي العلامة الحسن أثناء وجوده بمصر العلامة محمد بن عبد الله الخرشي ورد عليه أربعين مسألة في شرحه على مختصر خليل ، وتوجد منها نسخة بمكتبة آل الشريف بوي بتيشيت وقد نظمها العلامة الشريف حمى الله التيشيتي، وهي مرقونة بالمكتبة الوطنية والمركز الموريتاني للبحث العلمي.
ورغم قلة ما تنقله المصادر عن حياه ولد آغبدي فإنه ينبئ عن وعي الرجل بمواضع الخلاف، وحفظه للنصوص، وملكته في الفتوى، وقد زانته خلاله الشريفة وصفاته الكريمة التي هيأته لتلك المكانة العلمية المرموقة، وكان ذا فطرة سليمة صافية، يمدها ذكاء قوي ومواهب نادرة.
وقد عرف الحسن بحسن إقرائه للشيخ خليل حتى قيل إنه لا يوجد في عصره من هو أحسن منه إقراء للمختصر.
وعرف العلامة الحسن بالفقه، والإسناد، والورع، والاجتهاد في طلب العلم ، وكان واسع الاطلاع دقيق الاستنباط.
وكانت له مكتبة نفيسة كبيرة مشتملة على عدة فنون جمعها بالاستكتاب وبخط يده، وانتفع الناس بكتبه كما انتفعوا بعلمه.
ألف العلامة الحاج الحسن كثيرا من الكتب منها:
نظم في ضبط المشتبه من رجال الصحيحين؛ وتحفة الصبيان في التوحيد؛ ؛ وروضة الأزهار التي نظم بها نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر لابن حجر العسقلاني؛ وشرحها؛ ونظم أم البراهين في العقيدة للسنوسي؛ واستدراك على الخرشي في مسائل أوردها في شرحه على مختصر خليل، توجد منه نسخة بمكتبة آل الشريف بوي بتيشيت، وفتاوى ضمنها انبوي الولاتي في مجموعه.
توفي العلامة الحاج الحسن رحمه الله تعالى ليلة الأحد 12رمضان 1123هـ الموافق 24 أكتوبر 1711م.
وإلى عام وفاته ووفاة الشريف فاضل أشار الشيخ الطالب سيدي أحمد بن سيدي محمد بن موسى بن إيجل الزيدي ببيتين في روي الفشتالية فقال:
ومن فاضلي تيشيت دبج شوقها :: به وبها هبت أعاصير شمأل
وفي عامه هذا الذي قد ذكرته :: من الحسن الزيدي ينقص مأكلي
كامل الود
من صفحة سيدي محمد (إكس ولد إكس اكرك سابقا)