محمد سالم المجلسي يكتب عن ولد الدوبي
تذكير..
كنتُ ألقى في الفنادق وفي الحدائق وفي “اكرانبلاصات” الشوارع في المدن السنغالية أبطالا عالميِّين في “ضَميَ” أي: لُعبة الضَّامة (jeu de dames) من بينهم سينغاليون يُدرِّسونها في معاهدَ وجامعات ومدارسَ في أوربا وغيرها..فنتعاطى أحاديثَ شيِّقة ونتبادل ثقافات راقية على بساط تلك اللعبة الذِّهنية الفريدة.
لا يكاد أولئك اللَّاعبون المهرة يَلقون موريتانيًّا يُعجبُهم لَعِبُه إلّا وذكروا له ولد الدُّوبي..وقصُّوا عليه روائع من جولاته وصولاته.
ولد الدُّوبي رجلٌ من المجتمع البيظاني ولد سنة 1890 م، وعاش نحو أربعين سنة، كان من أهل منطقة النَّهر ..وكان ماهرا في لعبة الضَّامة حتَّى شاع ذِكرُه, وكان ثانِيَ رجل إفريقي يشارك في مباريات دولية في باريس خلال سَنَتي 1910 و1911م.. حيث كان فتى يافعا.
فاز ولد الدُّوبي على كثير من اللاعبين المشهورين في باريس ولَهافر, وقد التقى بالبطل الفرنسي وَيس (Isidore Weiss) وهو الذي سُميت باسمه الحركة الشَّهيرة (le coup de Weiss) وهو بطل العالم سبعَ مرَّات ما بين 1899 إلى 1911م ..وهو رقم قياسي لم يتجاوزه غير البطل الروسي المعاصر شيشوف (Alexei Chizhov) الَّذي فاز باللقب عشرَ مرَّات ما بين 1988 إلى 2005م .
فاز ولد الدُّوبي على وَيس في إحدى لقاءاته معه من خلال طريقة لعب عُرفت بعد ذلك في المجامع الدولية باسمه (Woldouby) فسجَّل بذلك اسمَه في سِجلِّ عمالقة الألعاب الذِّهنية..فصار إلى جنب بطل العالم السنغالي بابا سي أحد أشهر الأفارقة مهارة في لعبة الضامة.
يُنسب ولد الدُّوبي إلى السِّينغال لأنّ موريتانيا كانت حينها تابعة للسينغال..ولكنه رجل من المجتمع الموريتاني الممارس للُعبة “ظامت”, وكان يتردَّد ويقيم أحيانا في بلاد ما وراء النهر , لكنّه كان فائق الذَّكاء وحيَّر الفرنسِيِّين في أمر رأوا أنّهم انتهت إليهم رياستُه حتى استدعوه إلى ديارهم.
حفظ الفرنسيون زيارتَه تلك في مجلَّة الضامة المهتمة بها آنذاك وكان اسمها: (Le Damier Universel ) , وألَّف بعضُ المهتمين -وهو Govert Westerveld- كتابا عنه وعن خطَّة اللعب المعروفة باسمه وتقنياتها الرائعة مِن خلال سجلّات مبارياته المحفوظة..وذلك لحفظ التاريخ واستفادة الأجيال منه عبر الزَّمان.
وهكذا يتحدَّثون في فرنسا في يومنا عن إدخال هذه اللُّعبة في البيئة المدرسية (le jeu de dames en milieu scolaire) وقد أظهرت دراسات علمية جدِّية في الولايات المتَّحدة وروسيا أنّ الألعاب الذِّهنية مُعينة على تفوُّق الطُّلَّاب ورفع درجاتهم في مادَّة الرِّياضيات.
….
تَكثر عندنا العناوين الفارغة والشعارات العارية واستغلال المناسبات وتوظيفها في مصانع النِّفاق السياسي الَّتي تذوبُ فيها المصالح العامَّة وتضيع الثمرات المرجوّة..حتَّى اتَّحادات العلماء وروابط الأدباء ومؤتمرات المهندسين…
حتَّى اتحادية لعبة “ظامت” المحلية تكلَّمت ذاتَ مناسبة بلسان الطَّمع الأشعبي عن الإنجازات الحكومية المزعومة بدل تقديم أيِّ فكرة مفيدة عن الاستفادة من موضوع اختصاصها الَّذي ترفعه شعارا.
فشتَّان ما بين قوم وقوم..!!