عائدات موريتانيا المالية من الغاز: أي مستقبل للتنمية ؟ (3) / سيد أحمد ابوه
الجزء الثالث ويشمل المحورين الخامس والسادس والخلاصة
المحور الخامس: مقاربة التنمية من أجل توظيف أمثل لعائدات الغاز
نهتم هنا بمحاولة اقتراح بديل عن المقاربة الاقتصادية السائدة في موريتانيا منذ قرابة أربعة عقود ولن نتوقف كثيرا عند رصد اختلالات التجربة كونها معلومة لدى الغالبية من المهتمين بالشأن العام وقد تمت الاستفاضة فيها في مقالات سابقة، بل سنسعى إلى رسم معالم ما يمكن أن يصلح كنموذج جديد للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في أفق استغلال ثروة الغاز وغيرها من الثروات الطبيعية حتى لا نعيد تكرار إخفاقات الماضي، ولأن نموذج التنمية لابد أن يكون نتاجا لتشاور ترعاه الدولة وتشرف عليه وأن يحصل بإشراك نخب البلد وقواه الحية ولأنه لا وجود لنموذج لا يخلو من عيوب فسأقتصر في هذا المحور على ذكر ما أرى أنها قد تصلح كمرتكزات وموجهات لمشروع النموذج المطلوب والتي أوردها كما يلي:
أولا: تثمين الموجود
لن تتقدم موريتانيا وتتمكن من حل أهم معضلات التنمية بشكل نهائي إلا حين يتم التركيز على انتشال الزراعة والصيد والثروة الحيوانية ولن يتأتى ذلك إلا من خلال رؤية استراتيجية تثمن مقدراتنا في هذه القطاعات الفرعية وهي رؤية ينبغي أن تعضدها خطة طموحة لتعبئة الموارد المالية اللازمة فمن غير المنطقي بالنظر إلى المقدرات الهائلة ( نصف مليون هكتار من الأراضي الزراعية وموارد مائية معتبرة وحوالي عشرين مليون رأس من الحيوانات وقرابة مليوني طن سنويا من الأسماك) أن يظل هذا القطاع مساهما بأقل من الثلث في تشكل الناتج الداخلي الخام وأن تظل البطالة تفترس آمال شبابنا وأن نظل تابعين لما وراء الحدود لتأمين حاجياتنا من المواد الغذائية؛ سيكون أيضا مهما للبلد البحث عن مستثمرين زراعيين أجانب لهم الخبرة الأكيدة ويدخلون بتمويلات كافية في شراكات بين القطاعين العمومي والخصوصي توفر الدولة ضمنها الأراضي والحوافز الجبائية ويوظف الشركاء الأجانب عمالة وطنية ونضمن بموجبها تموين الأسواق من منتجات زراعية موريتانية وتصدير الفائض إلى السوق العالمية.
إن انتشال الزراعة والصيد والثروة الحيوانية من براثين البدائية في الوسائل والعشوائية في المقاربة والارتجالية في التسيير يتطلب من ضمن أمور أخرى خطة إعادة تأهيل شامل تهتم بدمج هذا القطاع في الدورة الاقتصادية وتوطينه من حيث خلق الشغل والقيمة المضافة وتضع حدا للمقاربات التي أثبتت فشلها على مر العقود الأخيرة ومن المهم هنا تقدير خصوصية وضعنا الاقتصادي والاجتماعي بما يُمكّن من تعظيم المزايا التفضيلية والحد من مخاطر وآثار التبعية للعامل الخارجي والعمل على جسر الهوة بين فئات المجتمع والحد من تفاوت مستويات التنمية بين مختلف جهات الوطن.
ثانيا: الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد التحويلي المنتج
يتعلق الأمر هنا بإعادة تنظيم الدورة الاقتصادية ووضع حد لثقافة التسيير الريعي للثروة وهي تلكم الثقافة التي أنتجت اتفاقات الصيد والتي كان آخرها الاتفاق الموقع مع الاتحاد الأوربي في 28 يوليو 2021 ولمدة خمس سنوات والذي حل محل اتفاق 2008 وقد نص ابروتوكول التنفيذ لهذا الاتفاق على السماح للسفن الأوربية بالولوج لمياهنا واصطياد حد أقصى قدره 290 ألف طن سنويا من أسماكنا مقابل ثمن المصائد التي يسددها البحارة الأوربيون ومنحة سنوية ب 57,5 مليون يورو يدفعها الاتحاد الأوربي لميزانية الدولة و مبلغ 16,5 مليون يورو يدفع على خمس سنوات كدعم قطاعي ولا يخفى على أحد أن كل هذا مجرد فتات لا يعوضنا نهب ثرواتنا والتي نعجز فنيا عن حمايتها. نفس التسيير الريعي هو الذي يحرمنا منذ خمسة عقود من خلق قيمة مضافة في الحديد والذي لا تزال اسنيم إلى حد اليوم تصدر شحناته في الوضع الخام دون أدنى تحويل، هذه الشركة لم تستطع منذ تأميمها تجاوز عتبة 13 مليون طن من الخامات (لم تصل هذه العتبة إلا سنة واحدة في تاريخها أي 2014) علمًا بأنها عبأت من السوق المالي الدولي مليار دولار كقروض سنة 2008-2009 وبددت الدولة 5 مليار دولار من أرباح اسنيم خلال سنوات الطفرة 2010-2014 ( حيث بلغ سعر طن خام الحديد 187 دولار في فبراير 2011) ولم يكن لكل هذه الأموال أي أثر لا على تنمية البلد ولا على انتاج الشركة وظلت اسنيم تابعة في رقم معاملاتها السنوي لمحدد الأسعار (محدد خارجي يخضع لتقلبات السوق) مع تجمد في الكميات المنتجة.
طبعا لابد لإحداث الانتقال المنشود من خطة استراتيجية وتمويلات معتبرة لبناء قاعدة إنتاجية وتحويلية في القطاعات الأساسية.
ثالثا: الاقتصاد الدائري
من المهم التفكير في مقاربة لإنتاج السلع والخدمات بشكل مستديم يحد من هدر الموارد ومن خلق نفايات ضارة بالبيئة ويتطلب هذا الهدف إنشاء أقطاب صناعية بعدد من جهات الوطن حسب الميزة الاقتصادية التفضيلية لكل جهة (مصانع الأعلاف، مصانع الألبان، مصانع تحويل ومعالجة الأسماك، مصانع تقشير الأرز، مصانع الأنابيب، مصانع حديد وأدوات البناء، مصانع التجهيزات الزراعية، مصانع التمور، المداجن، مصانع الجلود…) ويهدف إرساء هذا النسيج الصناعي المتشابك إلى تنويع القاعدة الإنتاجية وخلق قيمة مضافة والحد من نزيف العملة الصعبة في توريد مدخلات الإنتاج ببعض القطاعات وتوريد التجهيزات الفنية الأساسية (غير المعقدة) واستغلال نفايات بعض الصناعات كمدخلات لصناعات أخرى عبر التدوير إضافة إلى خلق أكبر عدد من فرص العمل بمناطق الإنتاج. للقطاع الخاص دور مهم ينبغي أن يضطلع به في هذا المحور وله أن يستفيد من التحفيزات الضرورية بما في ذلك عقد شراكات مربحة مع الدولة ولكن لابد من إخضاعه لرقابة لصيقة حتى لا يتم العبث بمقدرات عمومية كما حصل في عديد المرات السابقة.
رابعا: الاستثمار المكثف في الموارد البشرية وفي الحكامة
لا يمكن لنموذج تنمية أن ينجح إلا إذا اعتمد على موارد بشرية مؤهلة وقادرة على تلبية طلبات سوق العمل ولأن تكوين الموارد البشرية أمر يحتاج إلى الوقت والمال فلا ينبغي أن نخسر المزيد من الوقت لتصميم تكوينات موجهة إلى قطاعاتنا الأساسية ودعم التكوينات الحالية والمدارس والمعاهد المتخصصة وتحفيز الطواقم التدريسية ودعم منح الطلاب وخلق بيئة بحثية وإبداعية والاستثمار في المستقبل.
وفي موضوع الحكامة من المهم إدخال إصلاحات جذرية على منظومات الرقابة والتدقيق (القضائية، المالية، الإدارية والفنية) عبر عقلنة وعصرنة تدخلاتها وإرساء شفافية تغيب اليوم عن عملها وأيضا عدم التأخر ولا الانتقائية في ترتيب ما ينبغي من نتائج لعملها ووقف التدهور المستمر لقدرات الإدارة العمومية ورفدها بالموارد المؤهلة والتكوينات الضرورية لإدارة في القرن الواحد والعشرين ويظل إصلاح القضاء شرطا لا غنى عنه لإرساء العدالة وتحسين صورة البلد ومطلبا ملحا لم يعد يحتمل التأجيل.
خامسا: تعبئة التمويلات للتنمية
لا بد من حشد التمويلات الضرورية في إطار مقاربة جديدة للتنمية لإحداث انتقال حقيقي بمستوى تنمية البلد من الطور البدائي الهش الحالي إلى الطور الذي يتيح للإنسان الموريتاني مستوى عيش لائق ومن أجل ذلك أرى من الضروري القيام بالإصلاحات المتكاملة التالية:
– إنشاء صندوق سيادي موريتاني عبر إصلاح منظومة استثمار وحوكمة الصندوق الوطني لعائدات المحروقات والذي تم تأسيسه سنة 2006 حين كنا وقتها نحلم بدخول البلاد عصر النفط ومعلوم أن الصندوق الحالي يسيره محافظ البنك المركزي بتفويض من وزير المالية وتوجد ودائعه لدى البنك المركزي الفرنسي وقد تمت تغذيته في السابق ولا يزال بمداخيل الإتاوات المساحية والغرامات ومنح التوقيع والضرائب المجباة على الفاعلين في قطاع التنقيب وحصة الدولة من الإنتاج ومنح التكوين وهو يتدخل كممول خارجي لعجز ميزانية الدولة وقد بلغ رصيد موجوداته في 31 ديسمبر 2020 مبلغ 86 مليون دولار متأثرا بستة سحوبات قوية في سنة 2019 لميزانية الدولة بلغ مجموعها 146 مليون دولار ولم يصدر بعد تقرير التسيير للصندوق برسم 2021 والمتوقع يونيو القادم ورغم أن السحوبات من الصندوق مبوب عليها في قوانين المالية وبالتالي لا وجود لإشكال قانوني بخصوص شرعيتها إلا أن جدوائيتها تظل موضوع نقاش كما أنه من المهم بذل جهد إضافي لضمان تطابق تام في البيانات المالية الواردة في تقرير تسيير الصندوق عن تمويلاته للميزانية مع تلك الواردة في جدول العمليات المالية للدولة عن نفس التدخل ونفس الفترة وقد يعود بعض التباين إلى اختلالات بسيطة في مقاربة التدعيم الميزانوي المتبعة وكذا إلى الضوابط المحاسبية الخاصة بكل من الوثيقتين. ويهدف إنشاء الصندوق السيادي المقترح والذي سيكون موضوع ورقة خاصة ومستقلة عن هذا المقال إلى وضع آلية بمعايير دولية من حيث الحكامة ومحاور الاستثمار بما يضمن توجيه بعض عوائد الغاز إلى الاستثمار العمومي في البنى التحتية الخدمية والانتاجية بالوسط الهش وذلك عبر ميزانية الدولة وتوجيه نسبة أخرى إلى جهود تثبيت أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية والإبقاء على نسبة محددة للأجيال القادمة تتم الاستفادة فقط من عائدات توظيفها ذلك أن قاعدة الاستدامة تقتضي أن الأجيال الحالية لا يحق لها استهلاك كل العائدات المتأتية من الموارد غير المتجددة إذ من ضمن تلك العائدات حق معلوم للأجيال اللاحقة. وفي كل الأحوال ينبغي تحريم توجيه عائدات الغاز المالية المشكلة لموارد الصندوق السيادي إلى ميزانيات التسيير.
– إصلاح السياسة الجبائية وتمكين الدولة من تحصيل الجهد الجبائي الهائل والمهدور بفعل ضعف آليات الرقابة الداخلية والخارجية وغياب الرقمنة في الفوترة والتلاعب بالتصاريح وعدم كفاءة الموارد البشرية والبيروقراطية المفرطة وضعف وبدائية آليات الحسم في المنازعات الجبائية.
– مراجعة أسس وأهداف السياسة النقدية وتعزيز دور الإشراف للبنك المركزي وإعادة تشكيل الخارطة المصرفية عبر قيام البنك المركزي بإصلاح يتم بموجبه الرفع من رسملة المصارف إلى حد أدناه مائة مليون دولار(37 مليار أوقية قديمة بدل 10 مليارات حاليا) للمصرف الواحد وسيشجع ذلك الإجراء المصارف إما على التكتل بينها ضمن كيانات جديدة أكثر قابلية واستعداد لخدمة اقتصاد يسعى للتنوع أو الاندماج مع مصارف دولية ذلك أن أكثر من عشرين مصرفا هي مجموع المصارف العاملة اليوم لا تؤدي إلا دورًا هامشيًا في تمويل الاقتصاد وتُراكم حاليًا أكثر من 22 % من الديون المشكوك في تحصيلها وتعاني مشاكل حوكمة نتيجة عدم الفصل بين الملكية والتسيير فقد لا يكون لاقتصاد بحجم اقتصادنا حاجة لأكثر من خمس المصارف العاملة حاليا في البلد وهو ما يطرح ضرورة التعجيل بالاندماج المصرفي سبيلا للرفع من الرسملة وضمانا لملاءة مالية قادرة على مواكبة الاقتصاد وتوفير التمويلات المطلوبة بضخ قروض مكثفة وفق شروط غير مجحفة.
المحور السادس: حول التحديات والفرص المرتبطة بالغاز
يمكن أن نجمل التحديات المرتبطة بالعائدات من الغاز كما يلي:
– يؤدي استغلال الثروات الطبيعية غير المتجددة إلى طفرة في الدخل قد تقود مع الوقت إلى العزوف عن الاستثمار والاهتمام بالقطاعات التي كانت منتجة في الفترة ما قبل بداية استغلال الثروة الطارئة ولأن هذه الثروة إلى زوال يوما ما فينبغي ألا نضحي بقطاعات الاقتصاد الإنتاجية فقط بمجرد أننا عثرنا على بدائل ظرفية.
– ينبغي الحذر من استخدام العائدات من الغاز لتعميق التفاوت بين مستويات المعيشة داخل المجتمع فما خرج النفط والغاز من مخبأيهما ببلد إلا ووجدا في الانتظار قرينين لهما: الغبن والفساد ولأن الأول لا يتغذى إلا على الثاني فمسؤولية الحكومة والنخبة والمجتمع المدني هي بالأساس العمل على تجفيف منابع الأول عبر سد مسالك الثاني هذا إذا كنا بصدق نسعى إلى إخراج البلاد من براثين الفقر والتخلف. ليس ذلك بالمستحيل فبلدان عديدة تمكنت من توظيف أمثل لعائداتها من الثروات غير المتجددة بفضل مؤسساتها الصلبة وإدارتها الفعالة وحكامتها الشفافة وطبعا لم تنجح بلدان أخرى في الاستفادة من عائدات ثرواتها غير المتجددة بسبب الفساد المستشري وتحولت الدولة فيها مع الوقت وثراء وفساد النخبة الحاكمة إلى كيان فاشل تنخره الأزمات ويعجز عن تأمين خدمات أساسية لمواطنيه.
– ينبغي الحذر من استخدام عائدات الغاز في نفقات غير ضرورية والركون إلى تبديد العائدات (السهلة) وعندنا تجارب في هذا المجال فالمتتبع لمستوى السحوبات من الصندوق الوطني لعائدات المحروقات خلال السنوات الماضية يلاحظ التناسب الطردي بين تحسن رصيد الصندوق وتكرار السحوبات لتمويل الميزانية ففي 2018 على سبيل المثال سددت Exxon Mobile و Shell مبلغ 145 مليون دولار كمنح توقيع وبلغ بالتالي رصيد الصندوق في 31 ديسمبر 2018 مستوى 168 مليون دولار وهو ما أدى إلى قيام الدولة خلال سنة 2019 بستة سحوبات بإجمالي 146 مليون دولار وقد تلافت الدولة تلك الوتيرة في 2020 حين لم تسحب سوى 27 مليون دولار وكان الرصيد في 31 ديسمبر 2019 عند مستوى 83 مليون دولار وننتظر صدور تقرير الصندوق لسنة 2021 والمتوقع في الشهر القادم لمعرفة حجم السحوبات خلال العام الماضي.
– سيقود استغلال الغاز إلى ارتفاع كبير لإيرادات ميزانية الدولة ما سيخلق مع الوقت تبعية الميزانية لعائد غير مضمون بحكم تقلبات الأسعار في السوق العالمي وهو ما قد يخلق وضعا غير مستقر بالنسبة للتوقعات وينبغي لتجنبه بذل جهد مضاعف لتثبيت إطار الميزانية بما يضمن استدامة للنمو تساعد على الإنتاجية وخلق فرص الشغل وإبقاء المديونية في مستوى مستديم.
– ستعاني تنافسية صادراتنا من السلع والبضائع والخدمات (حين توجد طبعا، حيث لا نصدر حاليا إلا موادا خام) من تحسن سعر صرف الأوقية الناتج عن صادرات الغاز وهو ما سيكون له أثر سلبي على الصادرات من غير الغاز.
– لا تشغل الصناعة المرتبطة بالبترول والغاز يدا عاملة كثيفة فهذه الصناعة في كل أنحاء العالم هي صناعة كثيفة برأس المال ولأن الرواتب التي تصرفها الشركات البترولية رواتب جد مرتفعة مقارنة بمعدلات الرواتب في سوق العمل المحلي فسيكون هناك مع الوقت أثر تصحيحي بنسق تصاعدي للرواتب في القطاعين العام والخاص وسيكون ذلك على حساب القدرة على خلق الوظائف وعلى تنافسية البلد.
وبخصوص الفرص المرتبطة بالعائدات من الغاز فيمكن أن نجملها كما يلي:
– الخروج بالبلاد من مستنقع الفقر ويتطلب ذلك اعتماد خيارات صائبة وتجنب المخاطر الواردة بفقرة التحديات السابقة وهنا وضمن تدخلات الصندوق السيادي المقترح في جانب إنشاء وتطوير البنى التحتية الخدمية والإنتاجية ينبغي استهداف مناطق الإنتاج والوسط الهش عبر استثمارات مكثفة وهو ما يتطلب إصلاحا شاملا لوكالة تآزر التي تعثرت منذ البداية رغم وجاهة ونبل فكرة إنشائها وكفاءة العديد من أطقمها إلا أنها ولدت بتشوهات خلقية مرتبطة بالارتجالية في صياغة نموذج أعمالها وبمنظومة حكامتها وبتنظيم هياكلها حيث لا يعطي المرسوم 385-2019 المنشئ لها والمحدد لمهامها وهو المرسوم الذي لا وجود له على موقع تآزر الاليكتروني تصورا يعكس الطموحات والآمال التي صاحبت الإعلان عن تأسيسها وهو ما حولها إلى مجرد وحدة إدارية بيروقراطية تماما كوزارة الخارجية أو وزارة الشؤون الاجتماعية في وقت كان المؤمل منها غير ذلك. أعتقد أن هذه الوكالة ينبغي توجيهها نحو تنفيذ الأشغال وتهيئتها لذلك في شتى ميادين تدخلها وهي الميادين التي من الضروري مراجعتها سبيلا للمزيد من تركيز جهود استهداف الفقر والتي ينبغي أن يكون من ضمنها خاق ودعم ومواكبة المقاولات الشبابية الصغيرة بالوسط الهش.
– حل المعضلات الرئيسية للاقتصاد الوطني عبر الاستثمار المكثف والموجه لتمتين صلابة الأسس الاقتصادية في القطاعات الرئيسية ذات المقدرات الكبيرة وذات الأثر الاجتماعي المعتبر، سيكون الغاز نعمة للبلد حين ننجح في استثمار جزء من عائداته في أصول إنتاجية مستديمة كالاستصلاحات الزراعية والسدود وشبكات المياه والبنى التحتية في النقل وفي الصيد البحري وفي الكهرباء وفي الصناعات التحويلية وفي التعليم والتكوين المهني وسيكون ذلك ضامنا لنقلة اقتصادية واجتماعية للبلد ولأجياله الحالية كما سيضمن أن نورث لأبنائنا وأحفادنا اقتصادا بأسس صلبة وغير خاضع للموارد غير المتجددة ولا لتقلبات الأسواق العالمية.
– ستمكن مقاربة الأقطاب الصناعية بمناطق الإنتاج من تطوير وتجذير اللامركزية بتحويلها من أداة سياسية للحكامة الإدارية إلى أداة للتنمية بالجهات حتى نتمكن من جسر الهوة في التفاوت في مستويات التنمية الجهوية ونضمن للمواطن الموريتاني عيشا كريما ومستوى مقبول من الخدمات الأساسية في مختلف جهات الوطن.
– سيمكن تزويد البلاد من حاجياتها من الغاز وهو التزام تعاقدي للشركات المطورة والمستغلة مستقبلا لحقل السلحفاة من حل مشكل إنتاج الكهرباء من جهة وتحسين معدل الخليط الطاقوي للبلد والذي يقارب 40% حاليا.
– سنتمكن بفضل عائدات الغاز – إن أحسنا التدبير- من تعزيز استقلالنا بالاستغناء عن أشكال من الدعم في ثوب هبات غالبا ما تكون بمبالغ مهينة ويصاحبها تسويق إعلامي يمس من كرامة الشعب وهيبة الدولة.
الخلاصة:
تقف موريتانيا اليوم على عتبة موعد حاسم من مسيرتها وهو موعد يتطلب من كل قوى المجتمع ومؤسساته تقدير خصوصية الظرفية وتشعب الاستحقاقات والتحديات والعمل بأكبر قدر من الانسجام حتى لا نضيع فرصة ليست هي الأولى التي ضيعنا ولكنها قد لا تتكرر. صحيح أن استغلال الغاز وجني عائدات معتبرة منه لن يكون عصا سحرية لحل كل إشكالاتنا التنموية والاجتماعية ولكنه سيعطي نتائج تحمل العديد من الحلول لمشاكلنا شريطة أن نتجنب المنزلقات الخطيرة التي اندفعت نحوها عدة دول حين بدأت إنتاج وتصدير الغاز أو البترول والتي استعرضنا بعضا منها في فقرة التحديات.
ستحصل موريتانيا بفضل عائداتها من الغاز على مستوى من التنمية ستحدده خياراتها في الحكامة السياسية والاقتصادية وفي شفافية وعقلانية مساطر الإنفاق العمومي وفي قوة المؤسسات الرقابية والتنفيذية وفي فعالية الإدارة العمومية وفي استقلالية ومهنية القضاء وفي مهنية واستقلالية القضاء وفي استقلالية وفي مهنية القضاء.