يلف كثير من الغموض ما يخطط له الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز منذ انهيار العلاقة بينه وبين زميله السابق، رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى نهاية نوفمبر 2019.
الرجل الغامض منذ توليه مقاليد السلطة فى انقلاب عسكرى 2008، يثير فضول رفاقه السابقين ومعارضيه على حد السواء، وتشغل أخباره حيزا كبيرا فى مجالس النخب الموريتانية، رغم أن الجميع سلم بخروجه من السلطة رسميا، وبات مقتنعا بأن علاقته مع الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى انهارت فى أسرع ماكان يتوقعه أكثر المتشائمين.
يقول الرئيس محمد ولد عبد العزيز فى مقابلة له مع صحيفة “جون آفريك” سنة 2008 بأن هوايته المفضلة هي “النوم فى منازل اينشيرى والركض فى اتجاه الشمال”.
حاول ولد عبد العزيز طيلة فترة حكمه أن يظل وفيا لتلك العادة، وتوزعت أسفاره نهاية كل أسبوع بين “أسويهله” و” الشامى” و”بالنشاب”، وكان من الرؤساء القلائل الذين أحبوا حياة البادية وعاشوها وهم فى الحكم، بل إنه قرر العدول عن أخذ الراحة السنوية خارج البلاد، كما يفعل كار الموظفين داخل البلد، وكانت “تيرس الزمور” نهاية دجمبر من كل عام ، مكانه المفضل، والمحطة التى يأوى إليها، قبل أن يخسر مجمل رفاقه الذين ساندوه منذ انقلاب 2005، بفعل الخلاف حول الحزب والمرجعية السياسية وعودته المبكرة للحياة السياسية، فى بلد تعود الناس فيه رؤية شخص واحد يحكم، وغيره فى السجن أو المنفى، أو محط استهداف على الأقل من النخبة المحيطة بالرئيس الجديد.
قبل أسابيع طوى الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز ورفاقه صفحة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ، وأسلموه للرئيس الجديد ومعاونيه، رغم المرارة التى يشعرون بها، بحكم الاستهداف الذى تجاوز كل الحدود المعهودة فى العلاقة بين أبناء الحزب الواحد.
فى غرفة من منزله يحتفظ الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز بالبطاقة رقم واحد من حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، لقد رابط المئات من رموز الأغلبية بموريتانيا ليلة افتتاح حملة الانتساب من أجل التقاط صورة مع الرئيس وهو يفتتح حملة انتساب الحزب من مقر اللجنة الوطنية للنساء.
بيد أن بضعة أشهر كانت كافية لينهار الحلم،ويتحول الحزب الذى خطط الرئيس لتأسيسه والتحكم فيه إلى أحد الأحزاب المناوئة له، لقد كانت بيانات منتخبيه ومناضليه ومسييره صادمة له.
لقد رفض جميع قادة الحزب ما أسموه بالتمرد الذى يقوده الرجل، ومحاولة خلط الأوراق فى الساحة المحلية، وانحازوا إلى الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى، بعدما تأكدوا من الدوائر المحيطة به – على أقل تقدير- أن علاقته بالرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز قد انهارت بشكل لارجعة فيه.
لم يقرر ولد عبد العزيز العودة إلى أوربا كما توقع البعض، أو الطعن فى نتائج المؤتمر، أو محاولة احتلال مقار الحزب، والدخول فى تصعيد إعلامى وسياسى وميدانى مع خصومه، بحكم عوامل القوى التى آلت إليه صديقه السابق وخصمه الحالى، وإحجامه عما أسماه أي فعل قد ينغص من الهدوء الذى تعيشه البلاد، أو يدفع بالأمور نحو التوتر والمواجهة، أو يعرقل سير الرئيس وحقه فى تسيير البلد.
غير أن بقاء الرئيس داخل الساحة، وخرجاته الإعلامية من وقت لآخر، والأخبار الواردة من زواره، تؤكد بما لايدع مجالا للشك، أن الرجل قد يكون خسر معركة الحزب، لكنه لم يستسلم ويرفع الراية البيضاء، إنه يخطط للعودة للحياة السياسية من بوابة حزب آخر.
يقول ولد عبد العزيز إنه لايريد العودة للرئاسة وغير مهتم بها، لكنه لايريد أن يخرج المشهد إطلاقا، ويريد أن تكون له آلية للحضور والمشاركة والتأثير والتفاعل مع الجمهور، معربا عن ثقته فى الشعب الموريتانى، وقدرته على تجاوز كل المحطات الصعبة، وصدقه، رافضا أن تكون الصورة التى يحاول البعض أن يرسمها له اليوم صحيحة.
لم يحدد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز تاريخ تأسيس الحزب، ولاشكل العودة المتوقعة للحياة السياسية، ولم يعلن عن رفاقه فى المشروع المحتمل طرحه للتداول من جديد، بيد أن خطوة من هذا القبيل قد تتم بلورتها قبل منتصف العام الجارى، ليكون بذلك أسرع رئيس سابق يقرر العودة للحياة السياسية بعد مغادرته القصر، وربما يكون حزبه أول حزب معارض يولد منذ انتخابات يونيو 2019.
سيد أحمد ولد باب / زهرة شنقيط