فلسفة الرئيس غزواني (3) : الاستثمار في الاستقرار / محمد افو
يتفق الموريتانيون على اختلالات التوزيع العادل للثروة.
فجل استراتيجياتنا التنموية امتصتها تقنيات الفساد، وكل ثوراتنا السياسية والاجتماعية احتال عليها ” مجتمع السلطة” بطريقة ما.
في ظروف كهذه لن تكون إشكالات التنمية متعلقة بجودة التخطيط ولا بنجاعة الرقابة المالية .
فالطرق المحروسة لا يسلكها اللصوص، لكنهم يسلكون طرق جديدة ريثما يتحالفون مع الحراس.
لذلك جاء كل نظام بآلية جادة لمكافحة الفساد وخطط رائدة لمكافحة الفقر.
لكن شبكة القيم التي تحكم الادارة في بلادنا، ظلت متقدمة دائما على إرادة المقرر والمخطط معا.
لذلك كان خطاب الأول من مارس خطابا متفهما لصدق القادة ومعترفا ضمنيا بضعف الحكومات أمام دهاليز الفساد داخل الإدارة.
لقد فشلت الانظمة بفعل يقظة الطبقة المنتفعة، وتحطمت أشرعة الأمل على بوابات علاقات مجتمع السلطة المعقدة .
لقد ادرك نظام غزواني أن أمل التغلب على منظومة عتيقة ومتأصلة داخل إدارة الدولة هو أمل لا يمكن الرهان عليه لأن إصلاحات كتلك لا تحتاج لنظام سياسي كما يعتقد الحالمون، وإنما لاستراتيجية دولة طويلة الأمد.
لذلك قرر التأسيس لنظام عدالة اجتماعي يركز على الدعم المباشر للفئات التي ظلت محرومة من حقها في فرص الولوج للثروة، والتأسيس لنجعة اقتصادية تبدأ بالاستثمار في الاستقرار على المستويين السياسي والاجتماعي.
ومسار تنموي يستهدف إشراك الغالبية المحرومة في تحريك عجلة الاقتصاد.
وهذا التوجه ينتمي لمدرسة حديثة كانت إلى حد قريب مرفوضة من التيارات الليبرالية المتعصبة.
هذا التوجه الذي يمنح الدعم المباشر للطبقات المحرومة دون إخلال بتوازنات الاقتصاد الليبرالي .
فالدولة التي تقدم الدعم على السلع، تقدم دعما عاما يستفيد منه الغني والفقير على حد السواء، وهذا اختلال في هذا النوع من الدعم لا يفضى إلى نتائج تذكر على الرغم من ثمنه الباهظ.
و التوجه لمشاريع البنى التحتية والانشاءات الكبرى هو توجه ثري بفرص العمل والاستثمارات لكنه مؤلم في ظل وجود الفقر المدقع والحرمان الشديد.
لقد مجربت بلادنا كل تلك السياسات وكانت يوما بعد آخر تقترب من ساعة الصفر التي لم تجد من يصدقها وهي في طور علاماتها الكبرى.
لقد كان الوضع الاجتماعي قاب قوسين أو أدنى من لحظة الانفجار.
وقد طفح الكأس في مشاهد عدة كانت الغلبة فيها للحلول الأمنية لا الحلول الجذرية.
في هذا الوقت ظهرت استراتيجية غزواني المعتمدة على توجيه دفة الاقتصاد نحو إقامة خط العدالة بشكل مستقيم واحتوائه لمن هم دونه ومن هم فوقه.
تشكل ذلك في سياسات ترشيد الانفاق وإعادة توجيهه وحصره في مجالي المشاريع ذات الطابع الاستراتيجي والطابع الاجتماعي.
ومن المعلوم أن حزمة الاستثمارات ضمن هذا التوجه كانت صادمة لبنى الفساد التقليدية، إذ كانت البيروقراطية الادارية هي سندها فيما تعتاش عليه.
فذراع ” تآزر” كانت مختلفة عن نمط القطاعات الوزراية من حيث الحداثة ونظم الرقابة والتنفيذ.
كما أن عقود المنشآت الغازية المشتركة بيننا وبين الجارة الجنوبية وشركائنا الدوليين ( كمثال) خضعت بحكم تعدد الأطراف لنظم عصية على الاختراق من قبل طبقة السماسرة التقليدين.
وبالرجوع إلى مهمة ” تآزر” وبرامج القطاعات الوزارية الموجهة للطبقة المحرومة من الثروة والفرص، يتضح أن نظام غزواني اختار سلوك طريق حديث يتخفف من المرور على مستنقع اللوبيات التقليدية، الذي أدرك بفعل التجارب السابقة أنه عصي على الرقابة والاصلاح في حيز حكمه زمنيا.
وهو ذات المسار الذي سلكته دولة البرازيل التي اغرقتها مافيات الفساد المنظمة في وحل التعثر الدائم رغم إمكانياتها الهائلة واستطاعت بفعل ذلك التوةه أن تحقق قفزة اقتصادية عظيمة .
وهو ذات المسار الذي بدأ ينقذ دولة المكسيك من آفة التفاوت الطبقي وتحكم العصابات.
وفي قلب التعصب الليبرالي في الولايات المتحدة بدأت ذات الاستراتيجيات لمعالجة الفقر والتشرد ( التحويلات المباشرة والتأمينات الصحية للفئات الفقيرة)
وفي اعتقادي أن الرئيس غزواني من خلال هذا النهج قد استبدل نهج ” محاربة الفقر” بنهج ” الرهان على الفقراء”
فمحاربة الفقر هي وصاية على الفقراء وإهدار لطاقاتهم ، بينما يحقق دمج الفقراء في مسار التنمية إحقاقا لحقهم في الولوج للفرص وتحقيقا للعدالة ورهانا على الجدية والعمل ورصا قويا لصف الوحدة الوطنية..