ملاحظات على هامش عروض رجال الأعمال
أتابع خطابات فخامة الرئيس وجهوده لمواجهة التحديات الكثيرة التي تواجه دولة ناشئة في فضاء مضطرب، ضمن عالم يشهد تحولات سريعة، ذات انعكاسات سلبية على بنياته القوية والضعيفة.
وعلى الرغم من استفحال ظواهر معيقة للتنمية، مؤذنة بخراب الدول عندنا فإنني متفائل بأن الضمير الوطني، والوازع الديني والخلقي، وحضور العقل والحكمة لا يمكنها أن تنهزم في مجتمعنا، وأن سطوة الباطل التي يعبر عنها “بالفساد” و “غياب الحكامة”… لا بد أن تقف عند عدها.
وقد حظيت بالأمس بمتابعة اجتماع فخامة رئيس الجمهورية مع “أرباب العمل” أو “رجال الأعمال”، واستمعت إلى الخطابات المهمة والعروض القيمة، وأدرك وجاهة بعض ما قاله مكيافيلي من أن: “القادة يدركون ما لا تدرك الرعية”.
وضمن نطاق مقولة المثل المثل الشعبي القائل: “ال ماه ف الديكه ارجيل” رأيتني أسجل الملاحظات التالية:
الملاحظة الأولى: مشكلة التنمية في دولتنا والدول المشابهة تكمن في الخطأ قياسا وتقديرا؛ حيث حاولت الدولة عندنا في مختلف مراحلها، بوعي أو بدون وعي، خلق “رجال أعمال وطنيين”، عن طريق منحهم الصفقات وتمويلها من بنوك الدولة، والتغاضي عن تحايلهم على الضرائب، واعتمادهم مسالك الفساد المختلفة؛ ظنا منها أنها بذلك ستكون رجال أعمال في مستوى أولئك الذين يقودون عجلة التنمية والصناعة في الدول المتقدمة.
خلقت الدولة “رجل الأعمال” لكنها لم تكونه، فقط بالاعتماد على المحاسب تعلم كيف يكتب التقدير، وكيف يعمل الفاتورة، وكيف يصوغ وثيقة تسليم البضاعة، ونشأت علاقات وثيقة بينه وبين المحاسب، أو بينه وبين المدير؛ لكنه لم يتعلم؛ وبالتالي كان طموحه منحصرا في الربح ضمن مجال العمل الضيق الذي يربطه بالحاجات الخدمية لقطاعات الدولة المختلفة.
وسرعان ما اكتشف بعقله العملي فساد الدولة وقدرته على التحكم فيها عن طريق أسلوب الرشاوى، وعلى زيادة ثروته بواسطة الاحتكار والتزوير، وقتل مؤسسات الخدمات العمومية؛ فاستولى على القطاع المصرفي دون صعوبات تذكر، ويعلم الله وحده كم خسرت الدولة في تلك المعركة، وعلى النقل العمومي في فترة من الفترات، وأوهن التعليم والصحة، وأجهز على التجارة العمومية، وحاول جادا الإمساك بالماء والكهرباء.
وبعد صولات وجولات مع مؤسسات الدولة الخاصة بالأعمال العامة انفرد بقطاع الطرق، أما مشاريع الزراعة ومخصصاتها التي كان المواطن ينتظر فيها أن تكون سنة ٢٠٠٠ سنة الاكتفاء الذاتي في كل شيء فقد استحوذ عليها.
فهل يا ترى يمكننا الآن وديا أن نعتمد على هذا القطاع، ونقود به عجلة التنمية؟ هل يمكن أن نبرئه من ظواهر الرشوة والتحايل والتزوير المسؤولة عن فساد الموظف العمومي مقابل توبته في هذا الشهر العظيم، وإقلاعه معنا بضمير وطني وديني هدفه الربح لا الربا؟!
أتمنى أن يكون خطاب فخامة الرئيس ووعيده كافيا لعودة هذا القطاع إلى رشده، وأن نرى قريبا المشاريع التي أعلن عنها واقعا ملموسا، يخفف من عبء البطالة، ويسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي، ويمنع استفحال ظاهرة الغلاء إلى درجة الطفرة التي تنجر عنها حتمية التحول إلى دروب مجهولة.
يتواصل
من صفحة الدكتور: عبد الله السيد