الموصول الحرفي.. سند منامي متصل – يستحق القراءة
فائدة لمن يهمّه الأمر : درسٌ في الموصولاتُ الحرفية بسند مناميٍّ متصل (الجزء الأول )..
الخميس 10 فبراير 2022م
حدثني أخي الدكتور يحيى بن البراء أكثر من مرة قال : لقد أتاح لي العمل على مجموع الفتاوى الفقهية اللقاء مباشرة بعدد لا يُحصى من العلماء الموريتانيين ،وما رأيت قطُّ عالما أوسع علماً من العلامة الشيخ بن حمَّ الصعيديّ مدير محظرة الشرفاء في ابّير التورس .
وكذلك حدثني الشيخ عليّ الرضا بن محمد ناجي الصعيدي قال: سألتُ العلامة گرّايْ بن محمد بابَ بن امحمد بن أحمد يوره ليلةً عن من هو أعلمُ من يعرف من العلماء فأطرق هنيهة ثم قال جازماً : ” إنه شيخنا محمد عالي بن محنض ( ت يوم الجمعة 18 جمادَى الأخيرة عام 1390هـ ) “!
وقال لي شيخنا حمدن بن التاه حفظه الله أن شيخه محمد عالي قال له مرة : قرأتَ علي ثلاثة فنون ما قرأها عليّ غيرُك وهي : الجُمَل للخونجي في المنطق والجبر و علم النيْم . سألتُ الشيخ حمدن عن هذا الفن الأخير فقال لي إنه قريب من ما يعرف اليوم بسر الحرف!
وكنتُ الليلة قبل الماضية في مجلس عزاء للفقيه الصالح الأديب الداه بن محمد عالي بن محنض (1945. – 5 فبراير 2022) يتصدّره صديقه الحميم شيخنا الشيخ بن حمَّ الصعيدي المذكور وسمعته يقول إن شيخه العلامة محمد عالي بن محنض قال له إنه خلال دراسته المحظرية في انيِفْرارْ ربما زار في العطل أسرته في ضواحي ” بئر البركه ” المسمَّى احسيْ الرحاحلهْ لاحقا سيرا على الأقدام (حوالي 30 كلم ) وكان خلال سفره ذلك يقرأ من حفظه نص الألفية و طرتها و نص احمرار ابن بونه وطرته “! ويعلق الشيخ قائلا : كان الشيخ يقصد من وراء ذلك أن ينبهني إلى أن حفظ هذه النصوص ليس بالمستحيل .ويردف قائلا بتواضعه المعهود: فحذوتُ حذوه في ذلك ولا أدعي أن التجربتين كانتا متطابقتيْن! .
قلت : ومن طريف ولع الشيخ بن حمّ بالحفظ أنني كنت أزوده بصورة شبه منتظمة بنسخة من جريدة الشعب اليومية في بداية عملي فيها في منتصف السبعينات ، وقال لي في ما بعد إنه كان يحفظ مقالاتها عن ظهر قلب كما يحفظ دروسه المحظرية!
هذا و في معرض الحديث عن علاقة شيخ الشيوخ محمد عالي بن محنض بالنحو حدثنا الشيخ بن حمَّ ليلتئذ بالقصة الطريفة التالية قال: ” كنت أقرأ مرة في نهاية الستينات على شيخي محمد عالِ بن محنض رحمه الله من ألفية ابن مالك مشفوعةً باحمرار شيخ الشيوخ العلامة المختار بن بونه الجكني ( 1080 – 1220 هجرية) من الموصول الحرفي ضمن درسنا المحظري اليومي ولكنني لم أستوعب الدرس يومذاك بالقدر الذي تطمئنُّ له نفسي وينشرح له صدري .. وفي الليلة الموالية رأيتُ في ما يرى النائمُ لمرابط محمد سالم بن ألُمَّا اليدالي (1302 – 1383 هجرية ) ولم أره قط في حياتي – فأخذ يدرسني الألفية من بدايتها حتى نهايتها ! وبعد اكتمال الدرس أهداني تحفةً ثم ناولني مثيلتها وقال هذه أيضا هدية لك وقد أهدانيها شيخي يحظيه بن عبد الودود! قال: و لم أحدث أي أحد قطُّ بتلك الرؤيا التي تسرُّ ولا تغرُّ . و بعد ذلك التاريخ بعقود ، لقيت العلامة الشريف السملالي يابَّ بن محمّادي السالكي ففوجئت به يقول لي دون سابق إنذار إنه روى عن شيخه لمرابط محمد سالم بن ألُمّا أنه رأى مرة في ما يرى النائمُ شيخ الشيوخ المختار بن بونه فأقرأه ألفية ابن مالك ابتداءً من الموصول الحرفي حتى نهايتها “!قال الشيخ :” فطلبتُ من الشيخ يابَّ أن يعيد عليّ هذه الحكاية لأحفظها جيدا ففعل . فقلت في نفسي : هكذا إذن يكتمل لديَّ السند – المناميُّ طبعا – في ألفية ابن مالك عن لمرابط محمد سالم بن ألُمَّا عن شيخ الشيوخ المختار بن بونه” !
قال الشريف العالم محمدْ معروف بن لمرابط السملالي حفظه الله معلقا : “حدثني شيخي يابَّ غير مرة برؤيا لمرابط محمد سالم بالعلامة المختار قال إنه حدثه بها وهو يدرس عليه من باب اسم الفاعل ضحوة وهما خارج الحيّ وأنه قال له:” كان لا يراجع من شدة الحدة “! يقول الشيخ ياب فقلت له كيف ذلك ؟ يعني كيف درستم الألفية عليه فأجابني قائلا ( مشِّ .. ذاك ماهو مگْبوظْ ابليد )!
قلتُ: إن الموصولات الحرفية وهي [أَنْ – أنَّ – كيْ – ما – لو ] قد غابت كما هو معلوم من ألفية ابن مالك بينما وردت في ألفية السيوطي فاقتبس منها المختار بن بون ذلك الفصل كاملا ابّان اشتغاله بالموضوع.
وقد جاء في الموقع العلمي الممتع feqhweb.com ” الملتقى الفقهي (وقد تشرفت بالعضوية فيه) ” أن ” الشناقطة يوردون قبل دراستهم الموصول الإسمي من الألفية أبياتا من ألفية السيوطي تجمل الكلام عن الموصول الحرفي و هي:
موصولنا الحرفيُّ ما أُوِّلَ مع
صلته بمصدر حيث وقع
و ذاك (أَنْ) والوصل فعل صُرِّفا
و (كي) بما ضارع للام قفا
و (أنَّ) و الوصل ابتداء و خبر
و (ما ) بذي تصرُّفٍ لا ما أمر
و (لو ) كما بتَلْوِ مفهم تَمَنْ
و من يزد فيه (الذي) فما وَهَنْ
جاء في هذا الموقع كذلك أن : “هذه الأبيات موجودة في كثير من نسخ الطرة بل فيها كلها تقريبا ما عدا نسخة ابن كدَّاه (أحمد بن محمذ الملقب كدّاه بن أحمد باب الكمليلي المتوفَّى سنةَ 1337 هجرية ) ملونة الأشطار الأولى باللون الأحمر والأشطار الأخيرة باللون الأسود، فلو حمّروها كلها لوقع اللبس بينها وبين الاحمرار ولو سودوها كلها لوقع اللبس بينها وبين الاكحلال أي نص الألفية”.
وفي المصدر ذاته ورد شرح هذه الأبيات ممزوجا بالنص وذلك على النحو التالي:
[(موصولنا الحرفي ما أُوِّلَ معْ صلته)المراد بالصلة الفعل وما ذكر معه كاسم إن الموصلة( بمصدر حيث وقعْ وذاك أي الموصول الحرفي هذه المعدودات وهي ( أن ) الناصبة للفعل ( والوصل فعل صُرِّفا ) أي أن صلتها تكون فعلا متصرفا غير جامد سواء كان مضارعا أو ماضيا أو أمرا على الأصح في الأخير ( وكي) وتوصل ( بما ضارع للام ) أي أن صلتها تكون فعلا مضارعا مقارنة للام لفظا أو تقديرا ( قفا .) تمم به البيت ( وأنّ والوصل ابتداء وخبر ) أي أنّ أنّ المشددة المفتوحة تكون صلتها اسمها وخبرها لأنها من أخوات إنّ المكسورة المشددة (وما بذي تصرف لا ما أمرْ ) يعني أن ما تكون صلتها فعلا متصرفا ليس فعل أمر ( ولو كما بتلو مفهم التمنْ ) أي أن لو تكون صلتها كصلة ما في كونها فعلا متصرفا غير فعل أمر وتكون صلة لو واقعة بعد ما يفهم التمني غالبا ( ومن يزد فيه الذي فما وهنْ ) أي أن من يزيد في الموصولات الحرفية الذي فليس قوله ضعيفا بل قويا لأن الدليل دل عليه من القرآن وكلام العرب].
قلت: ورأيتُ في بعض المصادر أن الموصول الحرفي قد نظمه كذلك الشيخ أحمد السندوبي لعله الشيخ أحمد بن علي السندوبي صاحب ” المنح الوفية بشرح خلاصة الألفية” في قوله :
وهاكَ حروفا بالمصادر أُوِّلَتْ
وهاهيَ (أنْ ) بالفتح (أنَّ) مشدّداً
وذكري لها خمسا أصحّ كما رروا
وَزِيدَ عليها (كيْ ) فخذها و(ما ) و (لوْ)!
وأختصرها كذلك عبد الرؤف المناوي في البيت التالي :
موصولنا الحرفيُّ خمسة أحرفٍ
هيَ أنْ وأنَّ وكيْ وما فاحفظ ولو !
وتسهيلا لفهم هذا النص عمدتُ إلى صياغة المثال النثري التالي :
[(أن ) تعتمدوا هذا المثال في ضوابط الموصول الحرفيّ خيرٌ لكم لضمان فهمه، فقد ثبت ( أنّ) الإلتزام به مفيدٌ ، وأمعِنوا النظر فيه ل(كي ) تستوعبوه جيدا. وددتُ (لو ) حُظي منكم بفائق الإهتمام ب (ما) رحُبت به صدورُ الملتزمين به من فهمه واستيعابه ، فاشتركوا معهم في “الذي” التزموه كما اشتركتْ الموصولات الاسمية والحرفية فيها ، وخوضوا ك(الذي ) خاضوا ].
هذا ومن تعليقات العلامة أحمد محمود الملقب ممُّ بن عبد الحميد الجكني ( ت 1362 هجرية) على الموصول الحرفي النظم التالي وهو الذي قيل عنه ” إن من لم يدرس تعليقاته على الألفية فقد فاته خير كثير “:
لا تصلنَّ أنْ بما قد بانا
أمرا على رأي أبي حيانا
إذ لم يقع فاعلا أو مفعولا
وقوعه بغير ذا موصولا
وذاك أيضا قد يفيت الأمرا
من كـ{ أنِ اضرب بعصاك البحرا }
بل هي تفسيرية لديهِ
ورد من سماع سيبويهِ
– يتواصل-
رحم الله السلف وبارك في الخلَف .
محمدن بن سيدي الملقب بدنَّ