ثقافة

من روائع الحكايات والأساطير الموريتانية(38) / الأستاذ: محمدو احظانا

أم الروايات
رواية “ظهر هيبه”

قالت الراوية لحلقتها المتلهفة لسماع الحكاية الجديدة:
حاجيتكم ما جئتكم:
ما معنى قول الفنانة القديمة من (البت الكبير):
“غيّرْكم هيبه يآفكاريش//
والخصله توعْد الّ ايجيبهَ//
والتشفارْتْ اتكلِلْ الفيش//
والّ اعطاهالُ الله ايصيبهَ”؟
قال شيخ من الفنانين كان حاضرا في الحلقة:
تعني، حسب ما سمعت: أن الأمير “هيبه” جعل الأبطال يغارون من جميل صنائعه، لأن الخصلة الحميدة لا تنقاد إلا لمن كسبها بفعله وإرادته وحسن تدبيره.
ثم إن المجاورة بين الأقران تقلل الحاجة إلى المفاضلة بينهم لأن الواقع يتكفل بذلك.
والمجد -مع ذلك- رزق، من أعطاه الله إياه أصابه، ومن لم يررقه به حرم منه.
قالت الراوية: هذا هو المقصود بالضبط.
علقت سيدة بجانب الراوية مستطرفة الحديث:
-لقد ألفت كتابا على هذا الكاف.
وضحكت الحلقة من تعليقها!

الفصل الأول

قال لكم ما قال لكم:
إن فنانا قديما من أهل “آفطوط” الثالث(1)، في صدر القرن 17م كان يبحث عن أمير ذي مروءة وسخاء, يصحبه صحبة العمر، فابتدع مقاما في الموسيقى.. وقال إنه سيسميه باسم الأمير الذي سيرتضيه.
لكن كان لديه شرط صعب للغاية، وهو أن يعطيه ذلك الأمير “شحمة كليته”.!!

الفصل الثاني
لم يكن هذا المطلب مما يتصور تلبيته عقل بشري، فدار الفنان المبدع بالأحياء والأمراء، وكان الناس يسخرون منه، إلى أن دخل محلة الأمير نغماش. وأولما صادف خيمة بها مجموعة نسوة المحلة يغزلن الصوف مساعدة لواحدة منهن.
فقال لهم:
-أنا فنان، وقد ابتدعت مقاما جميلا في الموسيقى الحسانية، وأنا مستعد لأن أخلد به ذكر الأمير الذي يهب لي شحمة كليته بأن أسميه عليه. وقد مررت بأحياء كثيرة من العربان فلم يقبل أحد منهم تلبية طلبي، وعرضوا علي المال بأنواعه فقلت لهم إنني لا أريد إلا حاجتي.
ضحكت النسوة سخرية من غرابة الطلب واستحالة تحققه.
لكن إحداهن لم تضحك مثلهم، وهي زوجة نغماش؛ بل أخذت الأمر على محمل الجد. فقالت للفنان:
-أرأيت تلك الخيمة التي يخرج منها ويدخل فيها شباب أشداء؟!
في تلك الخيمة ابن لي أنا يدعى هيبه، وستكون شحمة كليته أسمن الكلى، فاذا جئتهم فاعرض عليهم عرضك، وإن كان هيبه أبني فسيلبي لك طلبك.
تناهبت النسوة أم هيبة استنكارا:
-هل أنت في شاهد عقلك؟!
فأجابتهم:
-الفرق بيني وبينكن أنكن تردن مجدا بلا مقابل، ونحن نعلم أن المجد لايكون إلا بالتضحية الجسيمة.

الفصل الثالث
ذهب الفنان إلى الخيمة التي وصفتها لها أم هيبه، فقال لهم:
-ياشباب العرب؛ لقد جئت هنا بعظ أن أبدعت مقاما موسيقيا كاملا، وأريد من احدكم أن يعطيني شحمة كلية من كلاه وسأسمي المقام باسمه.
فأعرض عنه كل الشباب. وقال له هيبه:
-أسمعنا مقامك أولا.
فعزفه حتى أنهاه.
وإذا بهيبه يستل خنجره ويكشف للفنان عن خاصرته، ويقول له:
-شق عنها وخذها.
فاقترب الفنان وأمسك المنجر ليشق به خاصرة هيبه، لكنه لم يفعل.
قال له هيبه:
-خذ حقك وأرحنا.
فقال له الفنان:
-إنما كنت أبحث عن أمير لايبخل علي بشيء. يحميني ويهب لي. وها قد وجدته.
ومنذ ذلك اليوم سمي اكحال الطريق الكحله: هيبه، إلى يومنا هذا. وهو واسطة العقد في هذه الطريق حيث يسبقه انتماس وتنجوكا وتعقبه مغجوكا(2) وأعظال بيكي.
ومزذ ذلك اليوم وهيبه مخلد الذكر بهذا المقام السباعي الجميل.

قالت الراوية:
ورجعت أنا عنهم سالمة أحدث برواية هيبه دائرا عن دائر.

…………
1- آفطوط: كلمة حسانية بصيغة صرفية صنهاجية. وهي من الفضاض وهو ما اتسع من الأرض. وإيفطوطن في الحيز الترابي المويتاني أربعة:
آفطوط الساحلي: وهو الممتد على ساحل الميط الأطلسي، من الزيرة قرب مصب نهر السينغال إلى تفلي وتارد.
وآفطوط الثاني، ويسمى آفطوط التيدوم كذلك، يمتد من “الكانه” في نهاية سهل الركيز الفيضي شمالا، إلى غاية حسيان آمشتيل شمالا.
آفطوط الثالث: وهو أوسع هذه السهول بين تلال أكان شمالا إلى شمامه جيري جنوبا..
– آفطوط الشرقي: ويمتد من نهاية تكانت جنوبا إلى شمامة الواد لخظر ورق هيبه جنوبا.
2- ماغجوكه: كلمة صنهاجية مركبة من مقطعين: ماغه: وهي الزخرفة. وجوكه: وهي مكان معلوم قال شاعر الحسانية:
لكان ذ التو امعان//
كبار سيمة معطان//
لكان جين باغنان//
هزام خيل اعرب (جوكه)//
لكان كاعد وايان//
نبراو من هذي الشوكه//
واتم عينه موران//
واتم لعد مطلوكه.
ويسمى هذا الظهر الذي هو بياض الطريق الكحله في موسيقى البظان: غوراس في تكانت وآدرار. وفي القبله يسمى اتبيبي.

م. أحظانا


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى