من روائع الحكايات والأساطير الموريتانية(30) / د. محمدو احظانا
أم الروايات
رواية غابون وتعويذة الأرنب
سأل الراوي رواد حلقته:
حاجيتكم ما جئتكم:
“ما هو الطويل الذي لا ظل له”؟
فتسابقت الأفواه لإجابته:
-الطريق.. الطريق.. الطريق.
-صدقتم جميعا للمرة الأولى.
الفصل الأول
قال لكم ما قال لكم، والبال لنا والبال لكم، والبال لأولاد المسلمين:
إن غابون بالغ في النيل من لحوم الصيد بعام خصب حتى أصبح قويا وضخما. ربا كتفاه، وغلظ ذراعه السليم، وأحس باعتدال طبائعه الأربع، وغليان الدم في عروقه، وامتلاء بطنه الدائم، وانعدام أي إحساس بالألم في أي عضو من أعضائه، كأنه قد من صخرة نارية، وطار النوم من عينيه ليلا ونهارا، ففكر في خصم يجالده حتى يقدر قوته الحادثة. وكان قد سمع من أمه المثل السائر: “سباق من يجري وحده”.
****
بات غابون ساهرا يعد النجوم في السماء حتى تختلط عليه، ويبدأ من جديد في عدها.. ويحسب ساعات الليل في المنازل لأنه قرر أن يتحدى ملك الغابة بابه صباح غد أمام خيمة الأرنب. وقد قبل بابه التحدي.
الفصل الثاني
في الصباح جاء غابون باكرا، ولم يجد غير فاطمه بنت انجوره، فصار يتيه عليها بعضلاته وقوته، وقدرته الفائقة على أن يرمي بابه سبع الغابة على شجرة بعيدة حتى لا يبقى في جوفه أي طعام.
قالت له بنت انجوره:
– هذا أمر جيد جدا، وسأعطيك أنا سرا سيريحنا من سطوته وجبروته، إن لم تكن أنت ستقضي عليه وتصبح ملك الغابة.
فأجابها باعتداد:
-تأكدي من ذلك. لكن ما هو السر؟
-لقد أعطاني حجاب معروف تعويدة لا أضعها على مخلفات حيوان إلا ومات من فوره.
-هذا رائع. سأخنق لك بابه حتى ترضين، والبقية منك. فما عليك إلا أن تجلبي تعويذتك وتضعيها على ما خلفه ليموت عنا ونستريح. هذا إذا كتب له الله النجاة من بطشي أنا.
-اتفقنا.
-اتفقنا.
الفصل الثالث
أقبل الأسد بابه يهز لبدته ومعه جوقة من ممثلي حيوانات الغابة، ليشهدوا معركة التحدي الفاصلة بينه وبين غابون.
****
مهدت حلبة النزال وأقبل بابه على غابون وغابون على بابه.. وكانا بنفس الحجم، وعليهما نفس علامات الصحة البدنية، واختلطا كأنهما جسم واحد، وغابا في غبار معركة حامية، سمع فيها الهرير والصراخ، وأنواع التهديد والوعيد.. وانكشفت عن غابون مصروعا وبابه واقف عليه يتحداه أن يقوم ثانية..
وكان ميدان المعركة ملطخا بالمخلفات.
الفصل الرابع
ذهبت الحيوانات خلف ملكها المنتصر بابه سبع الغابه، وأقبلت بنت انجوره على غابون لتؤازره نفسيا، وتسقيه لبن ماعزها البارد وترش وجهه بالماء حتى اكتمل وعيه.
قال لها:
-بنت انجوره؛ لا تحزني. فقد تعثرت عن غير قصد وانتهز بابه الفرصة وليس هو من أسقطني. لكنني- لا أسمعها الله لك شينة- قد أمسكت بقصبة تنفسه الهوائية وخنقته حتى أحدث كل هذه المخلفات.
-أنت متأكد؟
-أحلف لك بالحرام وجامع الأيمان أن هذا هو ما وقع.
الفصل الخامس
فرحت الأرنب حتى استخفها الحبور، لأنها ستستعمل تعويذتها السحرية القاتلة ضد الأسد المتجبر، وذهبت إلى نضد خيمتها وأخرجت منها التعويذة.
****
لما رأى غابون بنت انجوره قادمة ترقص وهي تهز التعويذة في الهواء، وتيقن أنها جادة في استعمالها، قال لها مستدركا:
-سيدتي الفاضلة أنت تعلمين أن اليقين صعب، خاصة في المعارك الطاحنة مثل هذه، وأنا أقترح عليك -ولابأس بالرأي- أن تنتظري قليلا حتى أقول لك أمرا بيني وبينك.
في حقيقة الأمر تعرفين أن البطلين إذا اختلطا في نزال وتبادلا اللكمات، والضربات، والصفعات، والطعنات.. فلا يستطيع أي منهما أن يعرف إلى من يعود ما خلفاه في الميدان أهو من البطل أم من قرنه فكل منهما مشغول عن نفسه في صاحبه.
لذا أرى أن تمسكي عليك تعويذتك القاتلة، احتياطا حتى لا يرتد تأثيرها على المسلمين البراء، فيؤدي بك ذلك إلى النار.. ولك بعد ذلك حسن الاختيار وسديد التقدير.
قال الراوي:
وربطت أنا نعلي ورجعت عنهما.
م. أحظانا