
من روائع الحكايات والأساطير الموريتانية(20) / د. محمدو احظانا
أم الروايات:
رواية قرون الحمار
.
قال الراوي لمستمعيه
رددو خلفي قبل أن أقص عليكم:
“يامولانا العافية، والنعمة الضافية، واللقمة غير الحافية، والحسوة الشافية، والشربة الصافية،
واللبسة الدافئة.
فردد المستمعون خلفة هذه التعويذة.
فأردف: لما رددتم خلفي هذه الفاتحة فسأقص عليكم الرواية، ومن لم يرددها معي فأنا لا أقصها عليه، سواء سمعها بأذنيه أم لم يسمعها:
حكاية قرون الحمار، والضبع (شرتات)
الفصل الأول
“قال لكم ما قال لكم، والبال لنا والبال لكم والبال لأولاد المسلمين”:
إن الحمار كان يرعى يوما بدعة في واد خصيب، فصادف ضبعا جائعا يبحث عن رزقه بلهفة في نفس الوادي.
وكانت الحيوانات تتكلم في ذلك الزمن مثل سائر الكائنات الحية والجامدة..
فسأل الحمار الضبع بعد السلام:
– ما اسمك ياقادم؟
فأجابه الضبع:
-اسمي الذي ذبحت لي أمي عقيقة عليه هو عبد الرحمن، أما الناس فيلقبونني ب “شرتات” و “كابون” و “كرفاف”.
قال الحمار” مغتبطا:
-اسم جميل وألقاب طريفة؛ إذن، أنت هو شرتات الذي أسمع به؟ أنا سعيد لرؤيتك والتعارف معك. فليس في الدنيا مما يؤسف على فواته غير ريق العافية، أو الصداقة الآمنة.
– صدقت، وأنا أسعد لرؤيتك والتعارف معك، ومغتبط بسعادتك لرؤيتي والتعارف معي. الصداقة الآمنة مهمة جدا للطرفين.
قال الحمار لعبد الرحمن:
-وما رأيك أن نصبح أصدقاء، يا أخي شرتات؟
فأجابه الضبع:
– الصداقة والصحبة لا تكونان بهذه السهولة ولا السرعة.
لكن اصبر علي إلى غد، حتى نتعارف أكثر، وأتشاور مع أمي، فأنا لا أقطع أمرا من دونها لبروري المشهود، خاصة أنها هي قائدة فريقها من الضباع. وسأعود إليك غدا لنناقش شروط صداقتنا الدائمة بصورة عملية، ومفصلة، و سنرسم المبادئ التي سنتعاهد عليها، ونبني صحبتنا على أساس مكين.
فقال له الحمار مبتسما بكل طيبة:
-إذن، سأنتظرك غدا في نفس الزمان والمكان.
ما قلته حكيم ووجيه. لقد كنت أسمع عنك حكايات تكاد تكون مضحكة، بعيدة كل البعد عما سمعته منك الآن.
فرد عليه الضبع وهو يلعق شاربيه:
– الخلق يشوه المتميزين حسدا لهم.
– صدقت.
الفصل الثاني
كانت الحيوانات لا تكذب في الزمن الأول، وكذلك البشر لم يكونوا يكذبون، بل يفون بعهودهم ويصدقون محدثيهم، وليسو كماهم الآن.
****
أقبل شرتات في نفس الوقت الموعود، و وجد الحمار ينتظره في نفس المكان.
سأل الضبع مبادرا الحمار:
– نسيت أن أسألك بالأمس عدة أسئلة تمهيدية، منها:
– بم سماك الله؟
فأجابه الحمار:
– اسمي الذي عق لي أبي عليه هو الصبار تفاؤلا، أما أمي فسمتني الحمار.
سأله شرتات ممتنا لصراحته:
-الصبار، قل لي بصدق، كيف نجوت من ألقاب البشر الساخرة؟
– لا أعرف. اسألهم.
– لن أسألهم، إنهم جد سليطون. قل لي: ماذا تأكل يا صبار؟ اللحم مثلا؟
أجابه الحمار ممتعضا:
– معاذ الله. اللحم حرام في شريعتنا.
فسأله شرتات:
– ومن حرمه عليكم؟
– ربنا نهانا عن محرم اللحم وغير محرمه معا.
– حرمكم ربكم من طعام لذيذ. يعني أنك لا تأكل إلا العشب؟
-صحيح، نحن أمة الحمير ولله الحمد، لا نأكل إلا العشب، ولا تبغي به بدلا، فهو مما نألفه كابرا عن كابر. و هو ينفع أجسامنا كثيرا كما ترى.
– صحيح. أنت سمين. بارك الله لكم فيه.
لاحظ الصبار أن شرتات يتجنب الاقتراب منه، فهو يحدثه عن بعد، ويحدق فيه بخوف وارتياب خاصة في أذنيه المشرعتين كالخناجر. و كلما تحرك شرتات وجههما نحوه، فصار يراقبهما طويلا بشكل ملحوظ.
****
قال الصبار لشرتات مذكرا:
– ألم نتفق أمس على إبرام اتفاقية صداقة دائمة؟
– صدقت ياصبار، ولكنني أخاف من قرونك الطويلة الحادة، فأنا من أهل الحزم، والبعض يسيء فهم تصرفاتي.
وأخشى ما أخشاه أن تتغير طبيعتك علي يوما، وتغضب من تقلب مزاجي المعروف، فتشكني بقرونك التي تشبه الخناجر الحادة عند البشر، وتبقر بطني.
قهقه الصبار عاليا حتى ارتمى على ظهره في مراغة قريبه، سخرية من سذاجة شرتات.
****
بعد أن خفت سورة الضحك المتواصلة عن الصبار، خاطب شرتات:
– أنت فعلا رجل ساذج، هذه ليست قرونا وإنما هي غضاريف. هاك المسها، بل أمسكها إن كنت لاتصدقني.
تلمس شرتات أذني الحمار وطواهما يمينة ويسرة بمخالبه الحادة، فإذا بهما لينتان طيعتان، فضحك في نفسه وقال للصبار متضاحكا:
– عجيب.. صداقتنا أصبحت ممكنة. أنا فعلا ساذج؛ بل مخبول. كنت كلما رأيت ابتعدت عنك وتسترت بالأشجار خوفا من أذنيك المرعبتين.
تساحب شرتات إلى ربوة قريبة ووقف عليها وهو يلعق شاربيه ويفكر في أمر لم يفهمه الحمار.
الفصل الثالث
همهم الحمار وعاد إلى التهام العشب الطري في انتظار أن ينتهي شرتات من تأمله في شروط الصداقة، وفي أسرع من لمح البصر هاجم الحمار ليفترسه، فلما رآه يجري نحوه أشرع الحمار أذنيه تجاه شرتات، فقال له:
– ضيعت سرك فضعت. فرصة نجاتك مني معدومة. أنصحك أن تشهد لتحسن خاتمتك، واصبر أيها الصبار قبل موتك المحدق.
وانقض عليه وافترسه، وأول ما التهم منه أذنيه.
****
ولهذا صار شرتات بعدها يأكل أذني الحمار أولا كلما افترسه خوف أن تكون أدناه قرنين.
“وربطت أنا نعلي، ورجعت عنهما سالما إلى أهلي، أبقاني الله أحدث بحكايتهما، دائرا عن دائر.”
م.أحظانا