ثقافة

ظرافات وظرفاء (34) / الأستاذ: محمدو سالم ولد جدو

إسماعيل بن إبراهيم الحمدوني (أو الحمدوي) شاعر عباسي (ت 260هـ/ 874م) من أطرف الناس شعراً وأقدرهم على الوصف. قال عنه المرزباني إنه “مليح الشعر حسن التضمين”. اشتهر شعره في طيلسان كساه إياه أحمد بن حرب (ابن أخي يزيد المهلبي) ولم يكن كما أراد على ما يبدو (الطيلسان نوع من الأكسية فارسي المنشأ) وفي شاة سعيد، وفقر الحرزيّ، وقبح أبي حازم. له أخبار وأشعار في بعض كتب الأدب كشرح الشريشي لمقامات الحريري وغيره، وقد أورد إبراهيم النجار جملة من شعره في كتاب “شعراء عباسيون منسيون”.
يقول الحمدوني في طيلسان ابن حرب حوالي مائتي بيت في خمسين قطعة تفتن فيها، منها:
رَأَينا طَيلَسانَكَ يا اِبنَ حَربٍ ** يَزيدُ المَرءَ في الضَعَةِ اِتِّضاعا
إِذا الرَفاءُ أَصلَحَ مِنهُ بَعضاً ** تَداعى بَعضُهُ الباقي اِنصِداعا
يُسَلِّمُ صاحِبي فَيَقُدُّ شِبراً ** بِهِ وَأَقُدُّ في رَدّي ذِراعا
أُجيلُ الطَرفَ في طَرَفَيهِ طولاً ** وَعَرضاً ما أَرى إِلّا رِقاعا
فَلَستُ أَشُكُّ أَن قَد كانَ دَهراً ** لِنوحٍ في سَفينَتِهِ شِراعا
وَقَد غَنَّيتُ إِذ أَبصَرتُ مِنهُ ** بَقاياهُ عَلى كَتِفي تَداعى:
“قِفي قَبلَ التَفَرُّقِ يا ضُباعا ** وَلا يَكُ مَوقِفٌ مِنكِ الوَداعا”.

وله فيه:
يا ابن حرب كسوتني طيلساناً ** مل من صحبة الزمان وصدا
فحسبنا نسج العناكب لو قِيـ ** ـس إلى ضعف طيلسانك سداً
إن تنفست فيه ينشق شقاً ** أو تنحنحت فيه ينقدُّ قدا
طال ترداده إلى الرفو حتى ** لو بعثناه وحده لتهدى!

ويقول فيه:
يا ابن حرب أطلت همي برفوي ** طيلسانا قد كنت عنه غنيا
فهو في الرفو آل فرعون في العر ** ض على النار بكرة وعشيا.

ويقول فيه:
فيما كسانيه ابن حرب معتبرْ ** فانظر إليه فإنه إحدى الكبرْ
هُوَ لي وَلكِنَّ البِلى أَولى بِهِ ** مِنّي فَما يُبقي عَلَيَّ وَلا يَذَرْ
قد كان أبيض ثم ما زلنا به ** نرفوه حتى اسود من صدأ الإبر.

وله فيه:
قُل لابنِ حَربٍ مَقالَةَ العاتِب ** وَلَستُ فيما أَقولُ بِالكاذِب:
أَما ترَى الرَفّاءَ يحزنُني ** بِرَفوِهِ طَيلَسانَكَ الذاهِب
أَفناهُ جَورُ البِلى عَلَيهِ كَما ** أَفنى الهَوى عُمْرَ خالِدِ الكاتِب.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى