جنون العاطفة/ محمد الامين ولد مني
و أنا أُتابِع تحليلا إعلاميا يؤكد وصولَ تركيا إلى الرتبة الثانية بعد الولايات الآمريكية في مجال العمل الدرامي بعد ذُيوعِ و شُيوعِ المسلسلات التركية و تكريسِها ملامحَ و خصائصَ و هُويةَ الأمةِ التركيةِ و اشتغال السياسيينَ الأتراكِ طبعا على هذا المدِّ العالميِّ الكبير كقوة ناعمةٍ في تطوير و بناءِ تركيا
و أنا أتابع ذلك أحسستُ بوجعٍ مُؤلمٍ من عجزِ بلاد الملثمينَ و أهلِ شنقيط عن حمايةِ و ترويجِ كلِّ ذلك الزخمِ الواسع الذي أنتجتْه سفارتنا الثقافيةُ في إفريقيا و آسيا و قَدمَتْ فيه – بتعبير مُحيِى الدين صابِرْ – نفسَها نموذجا باهرا في وقت قياسي !
و زاد عجبي حينما تذكرتُ أن وكيلَ تلميذٍ في بلد خليجي سأل الأستاذَ المتمكِّن يحيى ول بيبه إن كان يحفظ بيتا من الشعر العربي، حتى يضمنَ أن مستقبلَ ولدِه لن يضيعَ في مدرسة أَحَدُ معلميها “امْرَيْطاني”
و تذكرتُ ليلةَ سألني أحدُ الإخوةٍ في مشرقنا العربي في جوازات سودانثيل : هل امرطانيا فيها عَرَبٌ ؟ هل فيها إسلام ؟ هل تستطيع أن تقرأَ الآن آية من القرآن ؟
و تذكرت اعتراضَ أحدِ الأساتذة الجامعيين في بلد مغاربي فريب على اختيارِ الدكتور محمد ولد مولاي موضوعَ “التفسيرُ و المسِّرون في موريتانيا” و قال له ما خلاصته أنه لن يجد ما يغذي أطروحةً للدكتوراه في هذا الموضوع !
و تذكرت عبارة أحد أعلام شمال إفريقيا في قوله عن صحرائِنا “تلك بلاد لا نعرف عنها شيئا” !
و تذكرت أوجاعا أخرى أكثرها مرارةً قولُ أحدِ قادتنا في معرضِ حَثِّه الشبابَ على التخصص في العلوم التطبيقية – و كل العلوم تطبيقية بل و حتى الآداب – قولُه : ماذا يفيدُنا الشعر ؟!
حينها عرفتُ أنه قطعا لم يقرأْ معاركَ احتَدَمَت في الشرق و الغربِ حول: أيُّهما ينهَضُ بالأمم : العقلُ أم العاطفة ؟ ليصلَ إلى التحَدي الكبير الذي وقع فيه أنصارُ نظريةِ أَن العلمَ هو كلُّ شيءٍ في مِضمارِ التنميةِ حين سألَهم عملاقُ الفكرِ العربي عباس محمود العقاد : كَيفَ طار الإنسانُ من لندمبورك و نزل في نيويورك ؟! .. هل بسبب العلمِ أَم على ظهرِ العاطفة ؟!
العقاد يروم التأكيدَ على أنه ليس من شأنِ العقلِ أن يقودَ إلى المغامرةِ و هو يعملُ فقط على حساباتٍ و منطقٍ و معالمَ و “معاليمَ”، و أن العاطفةَ الوقادةَ هي التي تُشعِلُ في النفس جذوةَ اقتحامِ المجاهل و ” االمجاهيل” و التطلعِ إلى ما وراءَ الآفاق، ثم يكون العلمُ و السياسةُ و المالُ – بعد ذلك – أدواتٍ طيعةً لتنفيذِ جنونِها .. “أو ليس في بعض الجنون صواب” ؟!