ملاحظات على مشروع قانون (كرامة) 2/3 / المختار ولد آمين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد فهذه الحلقة الثانية من نقدي لمشروع القانون (المطروح) والمعنون “بمحاربة العنف ضد المرأة والفتاة” وأبدؤه بملاحظات عامة:
1. إن هذا القانون والقوانين التي يدور في فلكها – وهي تدعي الدفاع عن المرأة ورفعة شأنها وكرامتها – لتعتبر المرأة كائنا غريبا مطارَدا يعاديه الجميع ويكيد له، وليست عضوا أصيلا في الأسرة والمجتمع؛ تحتضن وتحفظ بنتا، وتخدم وتكرم أختا، وتصان وتحرس زوجة، وتُبَر وتُجَل أما.
2. تحتقرها وتتعامل معها كما يعامل المجنون – أو حتى البهيمة – له حقوق وليس عليه واجبات!
3. تزرع هذه القوانين جوا هائلا من العداء المقيت بين المرأة والرجل وبينها وبين المجتمع.
4. تتجاهل الفروق البنيوية بين الذكر والأنثى، وخالقهما سبحانه قد قال: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كالأنثى) واكتشف من اكتشف من علماء الأحياء الفروق الخِلقية بينهما، وألف في ذلك من ألف من المسلمين وغير المسلمين.
5. لولا الترجمة من النصوص الغربية – التي تفرق لغاتها بين المرأة والفتاة – فلمَ النص على “الفتيات” بعد “النساء” اللهم إلا إذا أسأنا الظن – وحُق لنا – فاعتبرناه استهدافا للفتيات لإخراجهن لمجالات الفسوق المختلفة، وهو ما تنص عليه بعض المواد صراحة، كما سيتبين.
6. لم ترد في مشروع القانون هذا كلمة واحدة عن الأم التي حملت كرها، ووضعت كرها، ورَبَّت دهرا، أفليست امرأة تستحق الرعاية والحماية المزعومة؟! أوَليس هذا دليلاً آخرَ على الأهداف السيئة لهذا القانون وتعمُّدِ كاتبيه مناقضةَ شرع الله ومصادَمةَ فطرتِه التي فطر الناسَ عليها؟! فأين هذا من قوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا)؟!
7. لم يُصَغ هذا القانون الصياغة القانونية المعهودة، والتي من شأنها ألا تترك مجالا للتأويل ولا لتعدد التفاسير، وسبب ذلك – كما هو واضح لمن اطلع على القوانين المأخوذ منها – أن تلك القوانين صريحة في مراميها الجُرمية، وهذا القانون يستحيي من استخدام عباراتها، مع الحرص على روحها ومضامينها، فيتستر خلف العبارات الغامضة غير المحددة، وأمثلة هذا كثيرة جدا، سأذكر بعضها إن شاء الله.
8. لولا تلك المنظمات والمؤتمرات الدولية للأمم المتحدة فما الداعي لقانون يحمي المرأة في مجتمعنا المعروف بسيادة المرأة وتكريمها وتبجيلها، حتى إن بعض الناس ربما يعتبرنا في ذلك مبالغين.
9. ما الداعي لترسيم هذا القانون عبر البرلمان وقد نفذ بحذافيره – مقسطا – سوى جرجرة المخالفين له في مخافر الشرطة ومحاكم النوع التي يوجب إنشاءها، أو وضع سلاح مدمر في أيدي منظمات الإلحاد؛ من أجل إشعال المجتمع فتنا لا آخر لها؟!
10. اعترض علينا بعض الخيرين بأنه لا غضاضة في استجلاب قوانين من الخارج عند الحاجة إليها، ونقول جوابا: بان فرقا كبيرا بين أن نحسن محاكاة القوانين الصالحة التي عند غيرنا ونعدل فيها التعديل اللازم لتتكيف مع بيئتنا – دينا وخلقا وخصوصية – وبين أن نستجيب لقوانين قد صاغتها وشرحتها الأمم المتحدة – بأصرح الصيغ والعبارات – ثم فرضتها على الحكومات الضعيفة بالترغيب والترهيب، ثم نُغَر وندس رؤوسنا في الرمال في حال قدمت لنا مبدوءة بعبارات تتمسح بالإسلام، وبصياغات فضفاضة ملغومة تخالف المتعارف عليه من واجب الوضوح والصراحة في صياغة القوانين!
11. وأخيرا: فإن في القانون الجنائي الموريتاني ومدونة الأحوال الشخصية – الساري مفعولهما حاليا – غِنىً عن كل هذا من حيث العقوبات المرتبة على ما هو جرم حقا، بل عقوبات الجرائم فيهما أنكى وأبلغ مما في هذا القانون، كما سيتضح في التفصيل إن شاء الله.
وفيما يلي ملاحظاتي على المواد:
م2 المسوقة للتعريفات، وفيها عدة فقرات، في أغلبها ملاحظات وعليها مؤاخذات:
أ- ففي فقرتها الأولى ورد النص التالي: “العنف ضد النساء كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي لامرأة أو فتاة، بما في ذلك التهديد بمثل هذه الأعمال، أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحقوق التي يضمنها القانون، سواء في الحياة العامة أو الخاصة”.
• فشمل تعريفهم للعنف (التفريق بين الأبناء والبنات في المضاجع) مثلا، وتخصيص ملابس تناسب كلا من الذكور والإناث، كما شمل الضرر الاقتصادي – في نظرهم – منع المرأة من ممارسة “البغاء” إن أرادته، أكرمكم الله.
• ولم يحدد هنا معنى لـ”الحرمان التعسفي” فهل هو بمنع البنت من الفاحشة إن رغبتها، أو منع الزوجة من اتخاذ خدن تريده، أو غير ذلك؟!
• ثم جاءت العبارة الأخرى “سواء في الحياة العامة أو الخاصة” والتي لا تسمح لأي أسرة أن تكون في حياتها خصوصية، فالحياة الزوجية والعائلية لا اعتبار لها في هذا القانون النشاز عن الفطرة والدين والخلق.
وهذه الفقرة وإن كانت غامضة – بقصد – في هذا النص فإنها واضحة مشروحة في الوثاق الدولية المأخوذ منها هذا القانون:
– ففي وثيقة “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” (سيداو) في المادة (10) الفقرة (ج): “القضاء على أي مفهوم نمطي عن دور المرأة ودور الرجل في جميع مراحل التعليم بجميع أشكاله، عن طريق تشجيع التعليم المختلط وغيره من أنواع التعليم التي تساعد في تحقيق هذا الهدف، ولاسيما عن طريق تنقيح كتب الدراسة والبرامج المدرسية وتكييف أساليب التعليم”.
– وفي مادتها (15) الفقرة (4): “تمنح الدول الأطراف – الرجل والمرأة – نفس الحقوق فيما يتعلق بالقانون المتصل بحركة الأشخاص وحرية اختيار محل سكناهم وإقامتهم”.
– وفي مادتها (16) الفقرة (1): “تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية، وبوجه خاص تضمن، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة” ويعني هذا – ضمن ما يعني – أن تطلق المرأة الرجل كما يطلقها، وهذا صريح الفقرة (ج) بإعطاء المرأة: “نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه” هذا لفظها.
– وفي “إعلان وميثاق عمل بيجن” في مادته 96: “وتشمل حقوق الإنسان للمرأة حقها في أن تتحكم وأن تبت بحرية ومسؤولية في المسائل المتصلة بحياتها الجنسية، بما في ذلك صحتها الجنسية والإنجابية، وذلك دون إكراه أو تمييز أو عنف”!
ب- وجاء في الفقرة الثانية: ” العنف الجسدي: كل فعل أو امتناع يمس، أو من شأنه المساس، بالسلامة الجسدية لامرأة أو فتاة أيا كان مرتكبه أو وسيلته أو مكان ارتكابه”.
وهذا الإطلاق مخالف لصريح القرآن والسنة والإجماع؛ فقد شرع الله ضرب الزوجة في نص كتابه إن خيف نشوزها، بعد علاجات أخرى بينها القرآن، وبضوابط بينتها السنة، قال تعالى: (وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً) وقال النبي صلى الله عليه وسلم “فاضربوهن ضربا غيرَ مُبرِّح” – كما في صحيح مسلم – أي: (غير شاق ولا شائن، بحيث لا يكسر عظما ولا يشق جلداً).
ومع هذا ففي سنن أبي داود وغيره: “لقد أطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس أولئك بخياركم” وهو حديث صحيح.
وقد صحت السنة بضرب الأولاد على الصلاة إذا بلغوا من السن عشر سنين؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها، وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع» رواه أبو داود وغيره، وهو حديث صحيح.
فكيف نستسيغ التجريم بإطلاق – هكذا – لأمر شرعه الله تعالى في نص كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؟!
ج- وفي القرة الثالثة جاء النص التالي: “العنف الجنسي: كل قول أو فعل أو استغلال مناف للقانون من شأنه المساس بحرمة جسد امرأة أو فتاة لأغراض جنسية خارج إطار الزواج أو تجارية أيا كانت الوسيلة المستعملة في ذلك”.
وواضح منه أنهم يعنون به الخفاض، وإن لم يكتفوا بتركه للتفسير؛ فقد أفردوا له المادة 27 ونستعجل بالرد عليهم كما استعجلوا علينا بعرض هذه الفقرة فنقول:
ثبت فِي الصحِيحَينِ من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الفطرة خمس – أو خمس من الفطرة -: الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وقص الشارب” (البخاري 7/160، ومسلم 1/221).
ولم يفرق الحديث بين ختان الذكر والأنثى، وإن ورد التفريق في أحاديث أخرى في بعضها كلام.
قال ابن القيم: فَجعل الْخِتَان رَأس خِصَال الْفطْرَة وَإِنَّمَا كَانَت هَذِه الْخِصَال من الْفطْرَة لِأَن الْفطْرَة هِيَ الحنيفية مِلَّة إِبْرَاهِيم (تحفة المودود ص 160).
وفي صحيح مسلم عن أبي موسى قال: اختلف رهط من المهاجرين، والأنصار فقال الأنصاريون: لا يجب الغسل إلا من الدفق أو من الماء، وقال المهاجرون: بل إذا خالط فقد وجب الغسل، قال: قال أبو موسى: فأنا أشفيكم من ذلك فقمت فاستأذنت على عائشة فأذن لي، فقلت لها: يا أماه – أو يا أم المؤمنين – إني أريد أن أسألك عن شيء وإني أستحييك، فقالت: لا تستحْيِ أن تسألني عما كنت سائلا عنه أمك التي ولدتك، فإنما أنا أمك، قلت: فما يوجب الغسل؟ قالت على الخبير سقطت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل» (مسلم 1/271).
وهذا الحديث صريحٌ – غاية الصراحة – في أن المعروف عند المسلمين زمن النبوة أن المرأة تختن كالرجل؛ بغض النظر عن درجة الطلب.
وقد أجمع العلماء على مشروعية الخفاض وكونه مطلوبا شرعا، وأقل درجات طلبه الندب، وهو مذهب المالكية؛ قال ابن حزم: “واتفقوا على إباحة الختان للنساء” (مراتب الإجماع ص 157).
وقال ابن القيم: “لَا خلاف فِي اسْتِحْبَابه للْأُنْثَى وَاخْتلف فِي وُجُوبه وَعَن أَحْمد فِي ذَلِك رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا يجب على الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالثَّانيِة يخْتَص وُجُوبه بالذكور” (تحفة المودود ص 193).
فهذه دلالة السنة الصحيحة والإجماع المتيقن، ولله الحمد، فلا جرم كان في هذه الفقرة مناقضة صريحة للشرع.
د- وجاءت الفقرة الرابعة كما يلي: العنف النفسي” : كل اعتداء لفظي أو إكراه أو تهديد أو إهمال أو حرمان بغير حق، سواء كان بغرض المس بكرامة امرأة أو فتاة وحريتها و طمأنتها أو بغرض تخويفها أو ترهيبها”.
وأول ما يدخل في هذا الإكراه والحرمان – المجرَّمان في هذا النص – عدم السماح للبنت أو الزوجة بالفاحشة إذا أرادتاها.
ولم يحدد هنا معنىً لـ”الحرية” هل هي الحرية الآدمية المحمية بالكتاب والسنة والفطرة النقية؟ أم الحرية التي تقررها اتفاقيتا (سيداو) و(إعلان وميثاق عمل بيجن)؟!
ه- وفي الفقرة الخامسة ورد النص التالي: “العنف الاقتصادي: كل فعل أو امتناع عن فعل ذي طبيعة اقتصادية أو مالية يضرَّ، أو من شأنه أن يضر، بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية لامرأة أو فتاة”.
ويدخل في هذا العنف “كل” منع لمرأة – أو فتاة على حد تعبيرهم – من ممارسة البغاء إذا قررته تكسبا أكرمكم الله، بل يدخل في “الامتناع عن الفعل” عدم مساعدتها على تلك الأعمال الخبيثة إذا ما اختارتها.
و- وجاءت الفقرة السادسة بالنص التالي: الاغتصاب: أي إيلاج جنسي خارج إطار الزواج، يرتكب ضد امرأة أو فتاة، عن طريق العنف أو الإكراه أو التهديد أو المفاجأة”.
وهو صريح في عدم تجريم الزنا برضا المرأة؛ فرغم كونهم – في نظرهم – تكرموا وتنازلوا حتى أثبتوا عبارة “خارج إطار الزواج” لكنهم نسفوا مفهومها بتقييده بكونه “عن طريق العنف أو الإكراه أو التهديد أو المفاجأة” فلو جاءت تلك العلاقة خارج إطار الزواج، ولكنها بالتراضي فليست جريمة حينئذ!
ز- وجاءت الفقرة السابعة لتعريف التحرش، ولم تفرق فيه بين الزوج وغيره، فأي عبارات أو حركات ذات مغزى جنسي – ولو من زوج لزوجته – فهي تحرش مجرَّم!
ح- وجاءت الفقرة الثامنة كما يلي: “اغتصاب المحارم: أي إيلاج جنسي يرتكب ضد امرأة أو فتاة يحرم الزواج بها، عن طريق العنف أو الإكراه أو التهديد أو المفاجأة”.
ومفهوم هذا النص السماح بالزنا بين المحارم وعدم تجريمه إذا كان برضا الفاعلة!
وأكتفي – في هذه الحلقة – بهذا القدر، على أن أستكمل ملاحظاتي على المواد في الحلقة القادمة إن شاء الله.
يُتبع إن شاء الله.