وقفة مع سورة يوسف
سورة يوسف مكية نزلت بعد سورة هود في عام الحزن اي بعد وفاة عم النبي صلى الله وسلم ابي طالب وزوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنهما وهي السورة الثانية عشر في ترتيب المصحف الشريف وتعداد آياياتها 111 آية
وتعتبر السورة من اعظم القصص في القرءان العظيم فقد سماها الله بأحسن القصص وهي كذلك.
والقصص في القرءان فيه التسلية والتثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم وفيه العبرة لأولي الالباب (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين) (وكذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق) (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون)
بدأت الصورة بالحروف المقطعة (الر) التي يتوقف عن تفسيرها اكثر العلماء ويكتفون بالقول : “الله اعلم بمراده” لكن مما لا شك فيه ان الله اطلع بعض عباده الخواص من اهل العرفان على مراده بهذه الحروف وكشف لهم عن بعض اسراره فيها، ثم تناولت السورة مضوع القصة تباعا فسردت فصول الاحداث بدءا من قوله تعالى (إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين …… ) إلى قوله (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون)
إذن بدأت القصة بحكاية يوسف رؤياه لأبيه عليهما السلام والأب يحذر الإبن من أن يقص الرؤيا على الاخوة مخافة ان يحسدوه او يكيدوا له كيدا لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق والحسد من شيمه.
وهكذا دفعت الغيرة اخوة يوسف إلى التعصب والتآمر على يوسف للتخلص منه ولذلك لمكانته في قلب يعقوب حيث قالوا (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين) ليبدأوا مباشرة في تنفيذ مؤامرة التخلص من اخيهم يوسف بعد مراودة أبيهم عنه (فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابات الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون) الضمير في (إليه) يعود إلى يوسف عليه السلام وذلك حين قال لهم (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون)
ثم تتوالى الأحداث فيخلص الله نبيه يوسف من غيابات الجب عن طريق وارد السيارة ليباع في سوق النخاسة بثمن بخس دراهم معدودة فيشتريه عزيز مصر رغبة منه عسى ان ينفعه او يتخذه ولدا لكن الله غالب على امره فهو يريد ان يمكن لنبيه يوسف في الارض يتبوأ منها حيث يشاء.
(فلما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين، وراودته التي في بيتها عن نفسه وغلقت الابواب وقالت هيت لك……. ) إنها الفتنة والشهوة التي قل من ينجو من حبائلها إلا من رحم الله من عباده (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلَصين واستبق الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب ) وهنا لجأت امرأة العزيز إلى الحيلة والكيد لتدفع عن نفسها الجرم والعار فوجهت التهمة مباشرة إلى يوسف (قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم قال هي راودتني عن نفسي) لكن الله سيظهر براءة نبيه بحيث سيقيض له من يشهد ببراءته، ويروى ان الشاهد كان رضيعا في المهد وهو من اهل زليخا ايضا تكلم في المهد ليكون ذلك أبلغ في الشهادة (وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم)
يوسف عليه السلام ظلت تتربص به امرأة العزيز وصواحبها من نسوة المدينة يراودنه عن نفسه فاختار السجن على ما يدعونه إليه (فلبث السجن بضع سنين) وفيه ظل يدعو إلى الله ويؤول الرؤيا (قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتاويله ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون) فهو عليه السلام الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ثم قال وهو يعظ اهل السجن (يا صاحبي أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماءً سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن الناس يعلمون)
فلما أراد الله ان يخلص نبيه يوسف من السجن جعل رؤية الملك هي السبب (وقال الملك إني أرى سبع بقرات …….) الى قوله (ياأيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون……) إلى قوله (يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان…..) الى قوله (وقال الملك أئتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسئله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيدهن…… )الى قوله حكاية عنهن وعن امرة العزيز (قلنا حاشا لله ماعلمنا عليه من سوء قالت امرأت العزيز الآن حصحص الحق أنا راوته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين) لتظهر براءة يوسف بشكل واضح ولتبدأ مرحلة التمكين له في الأرض (وقال أئتوني به استخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين قال اجعلني على خزائن الأرض إني خفيظ عليم وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء…..)
ثم تبدأ مرحلة أخرى وهي :
– دخول اخوة يوسف عليه يريدون الميرة. (وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون……)
– إيواء يوسف لأخيه ثم الابقاء عليه في حضنه عن طريق حليلة دس السقاية في رحله.
(ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني اخوك …… ) إلى قوله (كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم)
– تعرُّفه على إخوته حيث قال (إني أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئن قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله وهو أرحم الراحمين) وهكذا هي أخلاق الأنبياء صفح عن الجاني وحلم عن المذنب فهذا نبينا صلى الله وسلم يقول لأهل مكة الذين آذوه وأخرجوم منها ثاني أثنين وحاربوه يقول لهم يوم الفتح “اذهبوا فأنتم الطلقاء”
– لقاؤه بأبويه (فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والارض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين )
اما من حيث العبر والحكم المستخلصة من القصة فتحتاج وقتا أوسع ومنشورات اكثر وانا هنا إنما اردت وقفة مختصرة مع هذه السورة العظيمة.
اللهم انفعنا وارفعنا بالقرءان العظيم واجعلنا من الذين يتلونه حق تلاوته اللهم ذكرنا منه ما نسنا وعلمنا منه ما جهلنا ووفقنا لتدبره .
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم.
من صفحة الأستاذ/ حدو ولد الحسن