محظرة لفريوة.. قرنان من التعليم والتربية
بين وهاد وسهول ناعمة، في عمق منطقة ” اكيد” وعاصمة بلدية العرية بولاية اترارزة، تترامى عشرات المواضع والآبار التي خلدها الأدب الفصيح والحساني، حيث كانت مساحب أذيال المآثر والفضائل، ومجر عوالي الأدب والفتوة ومعاقد علياء التاريخ ومراقي سعوده.
ومن هذه المواضع الخالدة في ذاكرة التاريخ قرية لفريوة الوادعة ذات التاريخ العبق في الثقافة والتعليم الإسلامي في موريتانيا، وذات الصيت الواسع والكبير خارجها.
وليست لفريوة في مستقرها الحالي إلا امتدادا لمحاظر كبيرة ولتراث علمي متنوع صنعته الحضرة المجلسية منذ قرون، ولعل من أشهر تلك المحاظر التي تعتبر محظرة لفريوة امتدادا لها محظرة الإمام محمد بن بو احمد في القرن الثاني عشر الهجري
ومحظرة الإمام العلامة السيري أحمد البدوي بن محمدا، وكذا محظرة أهل السعيدي التي امتدت حقبا طويلة، ومن عمدائها العلامة سيدي أحمد ولد امين.
ومع منتصف القرن الرابع عشر الهجري وتحديدا في سنة 1348/1929 أسس الشيخ محمد عالي بن محمذن فال بن محمد بن نعم العبد بن محمدا، محظرته، بعد أن جمع علوم العصر ومتون المحظرة وقيمها، وأضاف إلى ذلك السند الشاذلي، الذي تلقاه مع إجازة عامة من الشيخ يحظيه بن عبد الودود.الذي كتب له في إجازته “الحمد لله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد، الحمد لله الكبير المتعالي الموصوف بجميع صفات الجمال والجلال، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد خير بني عدنان
وبعد فقد أجزت وإن لم أكن أهل للإجازة ولله در القائل
ولست بأهل أن أجيز وإنما
قضى الوقت يرقى الدون مرقى الأكابر
وحيد زمانه وفريده عصره تلميذي محمد عالي بن نعم العبد في جميع مسموعاتي ومروياتي ومقروءاتي وجميع ما تجوز عني روايته وتصج لي وتنسب إلى درايته من معقول ومنقول من فروع وأصول والسلام”
ولم تكن إجازات الشيخ يحظيه ولد عبد الودود سهلة المرام، بل كانت حصيلة كد ومثابرة، ومما يؤثر أن يحظيه بن عبد الودود لم يمنح الإجازة المطلقة في معارف المحظرة إلا لثلة قليلة من تلاميذه من أشهرها
الشيخ محمد عالي بن نعم العبد
أحمد محمود المعروف بمم ولد عبد الحميد
أبي ولد حيمود
أحمد محمود بن فتى
أبو المعالي بن محمد أبو المعالي
إلا أن من نهلوا من معارفه كانوا عددا هائلا، وردت أسماء كثير منهم في نظم تلميذه مم بن عبد الحميد
كان عمر الشيخ محمد عالي بن نعم العبد يوم أسس محظرته لا يتجاوز 34 سنوات، وإذا كان يحظيه بن عبد الودود هو شيخه الأخير، فإنه لم يكن الأوحد، فقد درس الشيخ محمد عالي في بيئة علمية أثيرة، حيث درس القرآن على والديه وبعض حفاظ حيه، قبل أن يلتحق بمحظرة خاله حماد بن السعيد، التي درس فيها كثيرا من المتون التأسيسية، وجزء من جامع ابن بونه في النحو، قبل أن يعمق دراساته النحوية والمحظرية بشكل عام، على يد العلامة النحوي سيدي أحمد بن أحمد محمود، ثم انتقل بعد ذلك إلى محظرة يحظيه بن عبد الودود، وكان أحد أعمدتها وأجلاء تلاميذها، بل كان أقرب إلى أستاذ مساعد لشيخه يحظيه الذي أحب تلميذه، وظل يقدره حتى بعد أن صدره، وأسس محظرته.
وقد حفظ الشيخ محمد عالي الوداد لشيخه وتأثر به في تدريسه وسمته وسلوكه وأخلاقه، حتى كان يقال إنه يشبهه خلقا ومعرفة وتدريسا
وقد ظلت محظرة لفريوة تنتقل عدة سنوات بين مناطق قريبة من موضعها الحالي، قبل أن تستقر سنة 1357، حيث ألقت هنالك عصا الترحال، وتوسعت دائرة تلاميذها وأجيالها التي درسها الشيخ محمد عالي لأكثر من ستين سنة، تواردت عليه آلاف الطلاب وصدر عنها مئات العلماء
ولم يمنع الشيخ محمد عالي التفرغ للتدريس عن المشاركة في كل الأعباء الاخرى، فقد كان زعيما مجتمعيا ومربيا صوفيا، وقد حج خمس مرات
أجيال متعددة من العلماء ..وتاريخ مفعم بالتدريس
يقسم العلامة المؤرخ محمد يحيى بن سيد أحمد تلاميذ “أبوه” إلى أجيال وطبقات متعددة، ومنها على سبيل المثال
أ- الجيل العلمي الذي درس على الشيخ محمد عالي ولم يغادره حتى منحه الإجازة العامة، ومن أشهر هؤلاء
– الشيخ محمد يحظيه بن نعم العبد: نجل الشيخ محمد عالي وخليفته في محظرت.
– محمد عبد الله بن محمد سيدي:
– محمد يحيى بن سيدي أحمد
وقد نال هؤلاء الثلاثة الإجازة من شيخهم محمد عالي الذي لم تكثر إجازاته المطلقة.
ويدخل في هذا القسم أيضا عدد كبير من العلماء الذين درسوا على الشيخ محمد عالي ونالوا مختلف معارف المحظرة، دون أن يأخذوا من عنده إجازة التصدير ومنهم على سبيل المثال.
– أحمد عبد الحي بن السعيد
– محمد عبد الله بن المصطفى بن عبد الل
– محمد يحيى بن سيدي بن السعيد
– محمد الأمين بن عبد الودود
وقد كان لكل من هؤلاء الأربعة محظرة عامرة وطلاب كثر، ومن هذا الجيل أيضا عبد الله بن أحمد بن حماد المعروف بولد السعيد، ومحمد عبد الله بن محمد سالم بن اعبيد المعروف بولد الداه.
أما الجيل الثاني: فمجموعات كبيرة من العلماء والقضاة والأدباء درست أغلب
معارفها المحظرية في لفريوة وعلى يد شيخها محمد عالي، وأسسوا محاظر ومدارس علمية بعد ذلك ومن أشهرهم
– زين العابدين بن محمد بن اعمر بن لمرابط أغشممت
– أحمدو بن عابدين بن اباه الشريف الصعيدي
– القاضي محمد بن أحمد بن عابدين الصعيدي
– والعلمين الشيخ وحمود ابني عبد القادر الصعيديين
– محمدن بن محمود اليعقوبي
– محمد الحسن بن محنض بن عبدا
– واطفيل محمدن بن عبد الله بن الواثق
– أحمدو الواثق بن محمدن بن جدو
– حمدان بن محمد زين وغيرهم
– جيل التلاميذ والعلماء الذين درسوا فترات متقطعة على الشيخ محمد عالي ومن أشهرهم
– العلامة سيدي أحمد بن أحمد يحيى
– القاضي العلامة أحمدو بن حبيب بن الزايد
– العلامة سعد بوه انه ولد الصفي
– الشيخ العلامة محمد الحسن بن أحمدو الخديم
– العلامة شيخان بن النح
– العلامة المختار بن بوبه
– وأحمدو بن حبيب بن متالي
– الشيخ محمد المختار كاكيه
– الشيخ بني بن سلمة
– محمد لول ولد أحمد مينوك
– الشيخ محمد عبد الله بن آبت
– الشيخ محمد بن الشاه
– وعبد الله بن من
– الشيخ عبد الحي بن التاب
– ومحمد يحيى بن آبد
– ونون والكبد ابني محمد السالم
وإلى جانب هؤلاء مئات آخرون من التلاميذ الذين تفرقوا في أنحاء المنطقة وتولى بعضهم الإمامة والتدريس في أنحاء متفرقة من البلاد ومنهم على سبيل المثال من محيطه الاجتماعي محمد محمود وأحمدو سالم ابني البخاري، ومحمد يحيى بن عبد العزيز، ومحمد الهادي بن حدمين، ومحمد بن محمد سيدي بن محمد المومن، والشيخ محمد عبد الحي بن الشيخ باب
ومن خارج محيطه القبلي درس عليه علماء أجلاء منهم محمد اطفيل بن باليل، ومحمد فال بن محمد عبد الله بن محنض، وسيدي محمد بن العالم، ومحمد بن بوكم، ومحمدن لبات بن لولي بن اليعقوبي، وأحمد بن بين، ومحمدو بن محمودا
ومحمد يحيى بن العتيق، والشيخ محمد الأمين بن الحسن إمام مسجد الشرفاء، والشيخ التاه بن محمد سالم بن اليدالي، ومحمد الأمين ولد اعزيز- رحم الله من سلف منهم وأطال عمر من بقي.
اباه ولد نعم العبد..شيخ العلم والإفتاء والتأليف
في حدود 1393 أجاز الشيخ محمد عالي بن نعم العبد نجله الشيخ محمد يحظيه وأحال إليه التدريس وتفرغ هو للعبادة والتبتل إلى حين وفاته في 13/شوال 1409/ الموافق 18 مايو 1989، حيث كفن في ثياب إحرامه التي عاد بها من حجته الأولى سنة 1375 هجريه
وقد خلف الشيخ محمد يحظيه الملقب اباه والده في التدريس والتربية والإفتاء وتوسعت المحظرة في عهده، وتعدد طلابه من جنسيات متعددة
وقد صدر الشيخ محمد يحظيه عددا من العلماء الأجلاء من بينهم على سبيل المثال
– العالم الشاب سيدي أحمد بن عمون بن بيباه
– العالم محمد عالي بن الفاروق
– الشيخ حبيب الله ولد الجيلاني
– أبناء الشيخ محمد يحظيه محمد عالي المقلب العطاء – وأحمدو – ومحمد العاقب
– الشيخ عبد الله ولد الشيخ ولد محمود
– الشيخ التونسي ابراهيم بن مبروك الأرياني
– القاضي محمد بن أحمدو بن عابدين
– الشيخ محمد عالي بن الحسين
– الأستاذ المفتش عبد الله السالم بن اللوه
– الدكتور الحسن ولد عبد السلام
– الشيخ محمد عبد الله بن ديدي
– عبد الودود بن سيدي محمد بن الحضرمي
– المفتش سيدي محمد بن محمدن بن بيباه
– الشيخ محمد عبد الرحمن بن حيبلا
– الأستاذ سيدي محمد بن ديدي
وغيرهم كثير
وتقيم في المحظرة جاليات متعددة من الطلاب المغاربة والجزائريين والتونسيين، وطوائف متعددة من دول غرب إفريقيا، إضافة إلى طلاب قادمين من مختلف أنحاء موريتانيا، ويقيم هؤلاء في مساكن أقامها أهل القرية للطلاب، إضافة إلى حي الطلاب الأفارقة.
وفي محظرة لفريوه يدرس التلاميذ مختلف الفنون المحظرية، كما يجدون في المكتبة الضخمة التي أقامها شيخها محمد يحظيه فرصة لا تعوض للمطالعة وتعميق المعارف الإسلامية.
ولا يتوقف أداء محظرة لفريوة عند الدرس والإفتاء بل كان لها تاريخيا إسهام كبير في رفد مقررات ومتون المحظرة الموريتانية بنوادر مهمة منها على سبيل المثال نظما الغزوات وعمود النسب الشريف للإمام أحمد البدوي بن محمدا، وقد تحول هذان الكتابان إلى مقررين عالمين يدرسان في أغلب دول العالم الإسلامي وتوالت عليهما الشروح من علماء موريتانيا والجزيرة العربية والعراق وغيرهما من بلاد العالم الإسلامي، إضافة إلى نصيحة حماد بن ألمين التي تعتبر أهم نص تربوي وقيمي يدرس في المحظرة الموريتانية.
في السنة الثالثة بعد التسعين منذ تأسيسها الثاني تواصل محظرة لفريوه دروها العلمي، ويخترق إشعاعها الآفاق، وينثر ألق التاريخ على مهاد الحاضر، وعيون المستقبل قرآنا يتلى ومتونا تدرس وتكرارا وإفتاء وتربية وإصلاحا
أنا من اناس لايهاب جليسهم ريب الزمان ولايرى مايرهب
افلت شموس الاولين وشمسنا ابدا على طول المدى لاتذهب
تردد كثبانها مفتخرة قول الإمام والشاعر ابت ولد باباه
أمن عبد شمس عصبة أموية
على العهد أم لم تبق منهم بقية
أم الشم من أبناء مروان هجروا
وبادوا فلم تبق الكثير المنية
أم انتصرت شنقيط للقوم بعدما
تداعت عليهم بالحراب المنية
فإن كنت تبغي أن أريكهم بها
على الشاطئ الغربي فالمجلسية
موقع الفكر