لاتوجد عبودية في الإسلام ( ابن السوداء )/القاضي أحمدوبمب ولدمحمدو
أولا: تحقيق الحديث ؛
في محاولة مني لتحقيق الحديث الذي قال فيه أبو ذر لبلال بن رباح ( يا ابن السوداء ) تبن لي أن الحديث ورد بعدة طرق في كتب الصحاح ، وكتب علم الحديث وحاصل ذلك أن الحديث رغم اختلاف الرجال والسند والرواة والسياق فإنه صحيح .
قال الألباني في غاية المرام (إن الحديث صحيح رغم اختلاف السياق ص 152).
وقال الزيعلي في تخريج أحاديث الكشاف 3/107: والذي عيره أبو ذر بأمه هو بلال بن رباح ، واسم أمه حمامة).
وفي رواية للحديث أنهما تخاصما فقال أبو ذر لبلال بن رباح : يا ابن السوداء . فضغب بلال منها وتخاصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقال لأبي ذر ؛ أتعيره بأمه ؟ إنك امرؤ فيك جاهلية !.فبكى أبو ذر وطلب من الرسول أن يستغفر له ، وقال لبلال بن رباح ، والله لن أرفع خدي عن التراب حتى تطأه برجلك ! أنت الكريم وأنا المهان .فبكى بلال رضي الله عنه وقال له : والله لا أطأ وجها سجد لله سجدة واحدة ، ثم قاما وتعانقا وتباكيا .
ثانيا ؛ المستفاد من الحديث
١-أن الاستعباد كان موجودا قبل الإسلام .
٢-أن التفاضل عند الله في التقوى فقط ؛قال تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ).
٣-عدالته صلى الله عليه وسلم ، فبلال بن رباح كان مستعبدا ومستضعفا قبل الإسلام ، وأبو ذر كان قويا وقاطع طريق قبل الإسلام وساوى الإسلام بينهما.
٤-أن الدولة لا تستقيم إلا على العدل ، ولا يستقيم العدل إلا بالمساواة بين الناس ، لذلك أهلك الله الأمم قبلنا لعدم المساواة بين الضعيف والقوي .
ثالثا : موقف المشرع الموريتاني من العبودية
وعيا من المشرع الموريتاني بخطورة الاستعباد ، وحفاظا على النسيج الاجتماعي الذي هو مصدر ثراء وقوة ، ومكافة لمخالفات الاسترقاق ، وإيمانا بقيم الإسلام ، ومقاصد الشريعة السمحة ، واستلهاما لمبادئ الدستور الموريتاني والاتفاقيات الدولية ذات الصلة ، وتجسيدا لحرية الإنسان التي هي أصل يولد بها ،صدر القانون رقم 031/2015 المتضمن تجريم العبودية ، وقمع الممارسات الاستعبادية في 27 مادة ، مقسمة إلى فصل تمهيدي ، وثلاثة فصول ، تناول الفصل التمهيدي مفهوم الاستعباد ، وتناول الفصل الأول أحكام عامة ،وتناول الفصل الثاني العقوبات المترتبة على فعل الاستعباد كجريمة ، ووصلت العقوبات إلى 20 سنة من السجن ، وغرامة تصل إلى 5 ملايين أوقية قديمة ، في ما تم تخصيص الفصل الثالث للإجراءات ، وإنشاء محاكم خاصة بجرائم الاسترقاق .واعتبر المشرع أن جرائم الاسترقاق كلها جنايات أقل مدة السجن فيها 5 سنوات ، باستثناء المادة 19 التي جنحت مجرد الشتم والسب بالعبودية ، وعاقبته بالحبس من 6 أشهر إلى سنتين ، وبغرامة من 20000 أوقية إلى 250000 أوقية .
رابعا : رأينا في الموضوع
يعتبر الفقه مصدرا من مصادر القانون ، وإذا كان التشريع له سلطة مختصة فإن مراجعة واستقراء النصوص اختصاص فقهي لاغنى عنه لفهم النص أولا ، ولاستدراك النواقص ثانيا ، وهو مادفع الوزارة الوصية إلى إنشاء العديد من الندوات والملتقيات سعيا إلى التحيين ، والمراجعة ، وتكوين الفاعلين في الحقل القضائي ، وهي مناسبة لثمين ما قام به السيد معالي وزير العدل الدكتور حيمود ولد رمظان بخصوص مراجعة المساعدة القضائية سواء من حيث الإطار التشريعي ،أو من حيث زيادة الميزانية المخصصة لها .وهو ما سينعكس ايجابا على الأطراف المدنية في النزاعات المتعلقة بالاسترقاق ، على اعتبار أن المصاريف القضائية أكبر عائق لولوج المرافق القضائية .
ومقاربة لموقف الشريعة الإسلامية من العبودية ، وموقف المشرع الموريتاني منها يمكننا أن نقول أن الاستعباد جريمة كأي جريمة قانونية ، تخضع للقواعد الموضوعية والإجرائية التي حددها المشرع ، ولا سبيل لإقامة دولة القانون إلا بالقانون .
لذلك لابد لأي إصلاح في أي مجال ، أو قطاع أن تواكبه مراجعة، ودراسة ، للقوانين والمراسيم المنظمة له .
ولا يفوتني هنا أن أشيد بالدور الفعال الذي تقوم به مؤسسات المجتمع المدني لكونها شريكا أعطاه القانون صفة التقاضي من جهة ، ولأن المصلحة العامة تقتضي إشراك الجميع من جهة ثانية
القاضي أحمدو بمب ولد محمدو