فكلا أخذنا بذنبه / محفوظ ولد إبراهيم فال
الذنوب أصل كل بلاء عام وخاص، لا سيما الأوبئة العامة؛ والنصوص الشرعية في ذلك أكثر من أن تحصر، وذلك من تأديب الله تعالى للناس { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيد الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون } وهو من عدله وحكمته، كما أن العافية من فضله ورحمته، والله عزو وجل سبقت رحمته غضبه، وعفوه عدله، فأكثر الذنوب لا يعاقب عليه بل يعفو عنه كما قال تعالى: { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير }
وكثير من الناس يجترئ على الذنوب لما عوده الله عليه من حلم وإمهال، ويأمن مكر الله بسبب ذلك وهذا غاية اللؤم والنكود، ومؤشر الخسران والبوار { فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون } { أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم }
وما أجهل من غرته رأفته ورحمته، حتى استحق عذابه وعقوبته؛
وقد يصيب ذلك العقاب الصالحين حين يكونون تبعا لأهل الباطل غير مؤثرين في تقليل الشر ومحاربة الفساد قال الله تعالى: { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } بل تصيب أيضا الذين لم يظلموا لأنهم أقروا وسكتوا وفي الحديث أنهلك وفينا الصالحون قال: ” نعم إذا كثر الخبث ”
والبشرية اليوم في أغلبها متمردة على شرع الله خارجة على فطرته التي فطر الناس عليها والمسلمون تجاه هذه الذنوب إما مشاركون –بدرجات أقل– في الفواحش والآثام أو ساكتون مستحقون العقاب بسكوتهم أو عاجزون قد تصيبهم شظايا العقاب، وتكون رفعا لدرجاتهم ولا تناقض نجاتهم في الآخرة
بل هناك ذنوب قد تكون أكثر في بلاد المسلمين من طغيان السلطان والفساد السياسي القاضي على العمران الآتي على البلدان الذي يتضرر منه العام والخاص. وقد شوهت دينهم وصدت عنه من ينظر إليه من خلالهم فصاروا بذلك فتنة للذين كفروا وأفسدتهم دنياهم فصاروا علة على الناس
والذنوب التي أخبر الله تعالى بأنه عاقب على الواحد منها مع الكفر تجتمع اليوم في أهل الأرض أو أغلبها ففي البشرية اليوم اغترار عاد واستكبارها، وطغيان الفرعونية واستبدادها، وهل ما يسمى القوى العظمى اليوم إلا فرعونية أكثر جماعية وانتظاما، فازداد خطرها وتعاظم ضررها، تجعل أهل الأرض شيعا؛
دول تُدعم، وأخرى تلعن،
شعوب تُعلم، وأخرى تُجهل، وبلاد تُطور وأخرى تدمر،
كل ذلك إمعانا في الظلم وابتعادا عن العدل؛ وفي البشرية أيضا فاحشة قوم لوط ونكارتها، بل تجاوزت في ذلك بعض الأنظمة وتشريعاتها؛
وترف ثمود وإسرافها؛
وتطفيف أصحاب مدين وفسادهم الاقتصادي ووو …إلخ
وهذه الكبائر والموبقات لا يكتفي أصحابها بفعلها بل يريدون نشرها وتعميمها على أهل الأرض وعدا ووعيدا وترغيبا وترهيبا ولبلاد المسلمين من ذلك السعي المفروض الحظ الموفور
والله عز وجل كرر في كتابه أن العقوبة التي أنزل بهؤلاء باقية ما بقي سببها { وما هي من الظالمين ببعيد } { فلما آسفونا انتقلنا منهم فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين } وفي سورة القمر بسط الله الحديث عن هؤلاء وعن ذنوبهم وعقوبتهم ثم قال: { أكفاركم خير من أولئكم } وقال جل جلاله: { أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها } أي أمثال تلك العاقبة وتدميرها
وعباد الله الصالحون كانوا يخافون هذا العقاب كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى ريحا خاف أن تكون كريح عاد وهو الذي أمن الله به أهل الأرض { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } وقد بكا صلوات الله وسلامه عليه بكاء شديدا لما نزل عليه قول الله تعالى ؛ { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } وهذا عتاب على اجتهاده صلى الله عليه وسلم وأخذه الفداء يوم بدر وقد أباحه الله له بعد ذلك العتاب فقال: { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم }وقد أخبر الله تعالى عن كليمه موسى وقوله: { فلما أخذتهم الرجفة قال رب لى شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين }
وفي الحديث الصحيح الذي فيه العقاب بالخسف للجيش الذي يغزو الكعبة آخر الزمان أن ذلك العقاب يشمل من ليس من أهل الظلم في الدنيا وذلك من شؤم المعية مع أهل الباطل لكنهم ينجون يوم القيامة ” ويبعثون على نياتهم ”
ومع تقرر هذا الأصل المعلوم ينبغي الحذر من توسيع دائرة الذنوب حتى تشمل المختلف فيه بين أهل العلم –ولا عبرة هنا بخلاف غيرهم– وكذلك المبالغة في التفصيل والتنزيل فقد يكون ذلك من الحكم على الله تعالى بأن فلانا أو علانا يستحق العقوبة على الذنب كذا أوكذا وذلك أمر اختص الله به ولم يجعله حتى للأنبياء وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم
{ ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور } { قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم والله أعلم بالظالمين }
وواجب علماء المسلمين أن يخاطبوا العالم مسلميه وكافريه بهذا الخطاب ولا يستضعفوا أنفسهم ويبينوا لهم سنن الله الشرعية والكونية ويحذروهم عقوبته وغضبه وكلما ارتفع صوت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيرتفع البلاء عن الجميع كما قال تعالى: { فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم ….. وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون }
وحديث السفينة معلوم مشهور
ويعلموا البشرية قول الله تعالى:
{ وما نرسل بالآيات إلا تخويفا } ويحذروها من قوله: { ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا }
اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك ونعوذ بك منك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك