كرونا جند من أجناد الله…. وأمة من الأمم / د.المهابة محفوظ
كرونا جند من أجناد الله…. وأمة من الأمم…
فهل وصلت الرسالة!؟؟
قال تعالى:” وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم
ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون”.
ليس المقصود هنا هو كتابة المعلومات ولا تدبيج الرسائل ولا رسم الحروف بل الهدف هو وصول المعاني والاثار والنتائج والعبر إلى قلوب الناس وحياتهم والعمل بمقتضاها قبل فوات الآن.
كرونا كائن مجهري غريب من أوابد الفيروسات وشوارد الجراثيم، يدخل بلا استئذان، ولا تراه العين المجردة، ولا تلمسه اليد، ولا يحتاج إلى تأشرة أو جواز سفر، ولا إلى حارس أو سلاح أو مرشد سياحي، ولا إلى وسيلة نقل أو حجز في الطائرات أو القطارات أو الفنادق.
وإنما يحتاج إلى إذن من خالقه سبحانه في إطار النواميس الكونية التي لا تحابي أحدا. ويبدو أنه مأذون ومسلَّط وممكَّن ويؤدي مهمته على أكمل الوجوه.
لا يوجد في الكون اعتباط ولا مصادفة بل يخضع الكون كله وحياة البشر كلها لقوانين صارمة لا تتبدل ولا تتغير، وهي نوعان سنن كونية وسنن إنسانية. فالسنن الكونية هي التي تخضع لها السماوات والارض ومن فيهن وما فيهن وكذلك الفضاءات والمجرات ومواقع النجوم مما يرى ويدرك بالحس، ومما لا يرى ولا يدرك إلا بآثاره، وأعظمْ بها من آثار.
والسنن الإنسانية هي النواميس الاجتماعية والحضارية التي تخضع لها حياة البشر في النشوء والارتقاء، وفي الحياة والموت، وفي النهوض والسقوط، وفي الديمومة والاستئصال.
والعالم اليوم بأجمعه في حرب حامية الوطيس مع كرونا، فمنهم من جمع الفلوس، ومنهم حجر النفوس، ومنهم من نشر الجيوش، ومنهم وضع المكوس، ومنهم من أغلق الأسواق ودور الملاهي والسينما والحدائق ومنع التجمعات، ومنهم عطل وسائل النقل جوا وبرا وبحرا. ومنهم سد المنافذ والحدود وأعلن حالة الطوارئ، ومنهم من أغلق المساجد والكنائس والبيع والصلوات، ومنهم من أكثر من الفحص والتطبيب والتعقيم.
وحسنا ما فعلوا من تفعيل السنن الكونية والبشرية أخذا بالأسباب لو فعَّلوا مع ذلك السنن الربانية في النصر والهزيمة، وفي المثوبة والعقوبة، وفي الفلاح والخسارة، وفي صنوف العذابات التي يرسلها الله على خلقه بسبب ما كسبت أيديهم، وفي كيفية رجوعهم عن ذلك قال تعالى:” ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون”.
ليست كرونا مجرد جرثومة أو فيروس أو ميكروب ينتمي إلى عالم الطبيعة فحسب بل هو كذلك ولكنه أيضا فوق ذلك كائن مجهري من أجناد الله تعالى ينتمي إلى القضاء والقدر ونواميس الله في الخلق جاء قدَرا بقَدرِ من خزائنه سبحانه تنبيها للغافلين، وتعليما للجاهلين، وقصما للجبارين، وإذلالا للمتكبرين، وعقوبة للمصرين، وويلا للمكذبين، وحربا على المرابين، وطهرة للمؤمنين، ورسالة للمتفكرين، وحجة على المجرمين، ومكرا بالماكرين، وتغييرا في الموازين، وتذكيرا للمذنبين، فهل فهمنا شيئا ولو قليلا من تلك الرسالة.!؟؟
كُرونا قدر.. كُرونا رسالة…..كُرونا عقوبة….. كرونا صرخة في وجوه العتاة والمجرمين والمفسدين في الأرض.
1-لقد كتب الله إلينا بحروف كبيرة هي الشمس والقمر والسماء والأرض واليل والنهار والانهار والجبال…..
قال تعالى: “سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون وآية لهم الليل نسلخ منه فإذا هم مظلمون والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم. لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا اليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون”.
2-ثم كتب لنا بحروف أخرى هي آياته في الأنفس والآفاق… قال تعالى:” سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق”…
3-ثم كتب إلينا بحروف أخرى لطيفة جدا مريحة جدا هي النعم الظاهرة والباطنة… قال تعالى:” وإذا أنعمنا على الانسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يئوسا” وقال تعالى:” يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون”. وقال تعالى:” ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير”.
4-ثم كتب إلينا بحروف أخرى هي الكائنات الحشرية بيانا لعقوبات إلهية لأمم سابقة، وهي عقوبات قابلة للتكرار مرة أخرى حسب ناموس الله تعالى، قال تعالى:” فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقُمَّل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين”.
5- والآن يكتب إلينا بحروف أخرى مناسبة للعصر وتطور العلم والحضارة، وهي الكائنات المجهرية التي هي من جنود الله المجندة، قال تعالى:” وما يعلم جنود ربك إلا هو، وماهي إلا ذكرى للبشر” وقال تعالى:” هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما” فهل تعقلنا وتفهنا الرسالة؟ وهل استفدنا من الدروس والعبر والمواقف والمواعظ؟
6-ولا شك أن قراءة هذا الوباء في ضوء السنن الإلهية في القرآن الكريم يجعلنا نقف مع قوله تعالى في سورة النحل: “وكم قصمنا من قرية كانت آمنة وأنشأنا بعدها قوما آخرين” وقوله تعالى: “وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون”.
7-فكما أن الشمس آية والقمر آية وناقة صالح آية والمائدة التي نزلت على قوم عيسى آية وبقرة بني إسرائيل آية والغراب الذي علم الأخ دفن أخيه آية وقصة أهل الكهف آية والجبل الذي كان ظلة فوق بني إسرائيل آية وقصة مريم آية وقصة يحيي آية وقصة عيسى آية وعصى موسى آية، والحشرات التي أرسلت عقوبة لبني إسرائيل آية فكذلك وباء كرونا آية عظيمة ورسالة بليغة هدفها التخويف الذي يورث التوبة والمراجعة والتقييم والعودة إلى الله بفهم وعلم وبصيرة قال تعالى:” وما نرسل بالآيات إلا تخويفا”. وقال تعالى:” ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون”.
8-وقال في حق العتاة المجرمين قال:” فصب عليهم ربك سوط عذاب، إن ربك لبالمرصاد”.
وفي حضارة ثمود يوم عَقَر أشقاهم ناقة صالح قال تعالى مبينا عقوبتهم:” إذ انبعث أشقاها فقال لهم رسول الله ناقة وسقياها فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها”.
9-وجاءت السيئات في القرآن بمعنى الشرك وبمعنى الفواحش وبمعنى أنواع العذاب، فمن ذلك الشرك وهو من أعظم الذنوب في عالم اليوم التي يكون عليها العقاب قال تعالى: “أم حسب الذين اجترحوا السيئات، أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات”. ومن ذلك الفواحش المنتشرة في عصرنا حيث عوقب قوم بسبب السيئات قال تعالى “ومن قبل كانوا يعملون السيئات”. ومن ذلك العذاب الذي يحل بالظالمين وهو السيئات قال تعالى: “فأصابهم سيئات ما كسبوا”. وقال تعالى:” والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا” والسيئات هنا هي أيضا العذاب، والعذاب صنوف وأنواع وجنود مجندة
10-وتتعاقب الحسنات والسيئات على الناس وتمر عليهم أحوال مخالفة وأحوال موافقة من ضر ومنفعة، ومن نعم ونقم، ومن فقر وغنى؛ قال تعالى: “وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون”.
الحلول:
وليس لذلك من حلول إلا حلول الإيمان في القلب وحلول التوبة في الجوارح وحلول القرآن والسنة في الحياة وذلك على النحو التالي:
1- التوبة إلى الله قلبا وقالبا وظاهرا وباطنا من جميع المعاصي والمخالفات
2-الصدقة الكثيرة الدائمة حتى تصير سلوكا مميزا لكل المسلمين.
3- كثرة الاستغفار والتضرع والدعاء وملازمة اذكار الصباح والمساء قال تعالى: “فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون”.
4- أداء الحقوق والمظالم ومحاسبة النفس على التقصير في جنب الله تعالى.
5- الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وحسن الظن بالمسلمين والتلطف معهم ومحبتهم والشفقة عليهم.
6- التلاوة والتدبر والعكوف على مائدة القرآن.
7- الدعوة إلى الله تعالى في كل وقت ومناصحة المسلمين وتوحيد كلمتهم على الحق والأخوة والوسطية وهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم.
8- إحياء السنن النبوية في كل مجال من مجالات الحياة الفردية والاجتماعية.
9- الاخذ بالأسباب والإجراءات الاحترازية والصحية والتعليمات الوقائية الصادرة عن السلطات الحكومية والصحية في كل بلد من بلدان العالم.
10- التزام البيوت في أغلب الأوقات وإحياء السنن والآداب الشرعية والبعد عن الشائعات والأراجيف عملا بقوله صلى الله عليه وسلم فقد روى الترمذي من حديث عقبة بن عامر” قلتُ يا رسول الله ما النجاة؟ قال أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك”. رواه الترمذي.