ثلاثة شروط أولية، للنهوض بقطاع التعليم / أحمد عبد القادر محمد
تناول في هذا المقال، المعبر عن وجهة نظري الشخصية المتواضعة، ثلاث نقاط، أرى أنها هي المنطلق والأساس القويم الذي يمكن أن يقوم عليه أي تحسين حقيقي وجوهري وفعال في قطاع التعليم، بشكل عام، والأساسي بشكل خاص.. فهي الشروط الأساسية، وبدونها لا يعقل، ولا يتصور أي تغيير إيجابي في الواقع المرير لهذا القطاع الذي بلغ ما بلغ من التردي والفشل والضياع.
* أما الشرط الأول، فهو:
إدارة تعليمية على مستوى التطلعات:
وبغض النظر عن الاختلاف والاتفاق في تحديد المصطلحات (إدارة تربوية، إدارة تعليمية، إدارة مدرسية.. ومستوى كل منها) فإن ما أقصد، هنا، وبكل وضوح، هو ضرورة إشراف فنيي التعليم وخبرائه وكفاءاته على تسيير قطاعهم (كل في مجاله) وقيادته نحو الأفضل المنشود، على هدى وبصيرة ووعي بمتطلبات الأمر، بعيدا عن التخبط والأهواء والانطباعية والإملاءات التي لا تستند على أي أساس قويم للتصور والتنظير ولا للتخطيط والتنفيذ ولا للمتابعة والتقويم.. فلا بد من القطيعة مع مثل هذا النوع من التسيير والمسيرين قبل الحديث أو التطلع إلى أي إصلاح.
كما يجب أن يشفع عامل الاختصاص، بالتأكيد على مراعاة معايير لمدى ودرجة الاستحقاق بين الموظفين في إسناد المهام والمناصب والوظائف؛ وأن يسد الباب بإحكام في وجه الوساطة والمحسوبية والزبونية الهدامة..
ذلكم، هو الشرط الأول
* أما الشرط الثاني، فهو:
التحسين الجذري للظروف المعيشية لمنتسبي القطاع.
فقد أنتج ضعف القوة الشرائية لدى هؤلاء قناعة راسخة بأن الدخل لا يسمن ولا يغني من جوع، وأن البحث ضروري عما يسدون به خلتهم من الأنشطة والأعمال الموازية (بيع الرصيد، تاكسي، صيرفة، مقاولات، صيدلة، تعليم خاص، منظمات غير حكومية، خدمة الساسة وأصحاب النفوذ والتملق لهم ما يمنح بالإضافة إلى المكاسب المادية التغطية والحماية من العقوبة، فضلا عن كسب ترقيات وتعيينات بغض النظر عن معايير الاستحقاق من كفاءة أو انضباط في العمل..) وكثيرا ما تتغول تلك الأعمال الموازية على العمل والأداء ونوعيته في المؤسسة التعليمية؛ كل ذلك يحدث في ظل داعم قوي، يتمثل في نواتج فشل المنظومة التعليمية من غياب الالتزام الديني والأخلاقي والضمير المهني والحس الوطني.. وما يقتضيه ذلك من عدم اكتراث بالأمانات والمسؤوليات والواجبات وحقوق الآخرين، وهو ما يعكس أزمة أخلاقية حقيقية، تتطلب بعض الإجراءات العلاجية، وتبرر وجاهة الشرط التالي (الثالث) ولكن، وقبل ذلك، تحتم ضرورة النظر في وضعية وظروف منتسبي القطاع الاقتصادية، من (مفتشين، مدرسين، مديرين، مستشارين…) وتحسين تلك الظروف، تحسينا ملموسا، وحقيقيا يسمح لهم بالتفرغ لأداء المهام المنوطة بهم.
وأرى ضرورة أن تتركز التحسينات، أساسا، على العلاوات التحفيزية وربطها بحجم الأداء، ونوعيته، وظروفه ك (علاوة الطبشور، التأطير، البعد…) وقد تطرقت لتفصيل في ذلك في مقال “التحفيزات الناجعة، في قطاع التعليم الأساسي”
* أما الشرط الثالث، فهو:
تفعيل وتنشيط أدوار الرقابة والمتابعة والتأطير والتوجيه والإرشاد.. ما يضمن انتظام الحضور، والقيام بالمسؤوليات، وتذليل الصعوبات أمام المدرسين والمديرين ومختلف العاملين، وتحسين خبرتهم وأدائهم، وضمان تقويمهم لتحديد المتميزين والمجدين وتشجيعهم، وتحديد المقصرين ومحاسبتهم.. ولا شك أن هذه الأدوار الجوهرية، تم تعطيلها والقضاء عليها منذ زمن، حين غيبت المفتشية العامة، وانعدمت السيارات وغيرها من الوسائل لدى المفتشيات الميدانية، وأضعفت قرارات المتابعين بفعل السياسة، ونفوذ وتدخلات الساسة، وبفعل نمط التسيير الذي تحدثنا عنه في النقطة الأولى.
ولا يفوتني هنا التنويه إلى أن كل هذا، إن تحقق، يصب في مصلحة فلذات أكبادنا، أجيال المستقبل، أبناء الوطن.. وسينعكس إيجابا على تربيتهم وحسن تأهيلهم وإعدادهم للاطلاع بأدوارهم في مسيرة بناء البلد وتنميته وحمايته والحفاظ عليه.. وهم الهدف من كل هذا الجهاز، بموظفيه وموارده وخططه وسياساته.. وهو ما يحتاج كل واحد منا أن يجعله نصب عينيه، من المدرس، إلى مدير المدرسة، إلى المستشار والملحق، إلى المفتشين، إلى المديرين الجهويين والمركزيين إلى….
أما من حيث ترتيب الأولويات بين هذه الشروط فإنني أرى أن:
الشرط الأول، يجب أن يكون سابقا، فبدونه لا تجدي كل الشروط والظروف الأخرى؛
أما الشرطان الأخيران فيجب أن يكونا متزامنين؛ فتحقيق شرط (تحسين الظروف) دون شرط (الرقابة الفعالة..)، وفي ظل الظروف التي تحدثنا عنها من غياب الوازع الديني والأخلاقي والوطني.. لن يكون له أي أثر في الأداء،
كما أن الرقابة الصارمة والضغط في ظل دخول غير كافية لسد أبسط ضروريات العيش الكريم لن ينتج إلا مزيدا من التحايل أو التسرب والقطيعة مع المهنة والتخلي عنها، خاصة في ظل انفتاح العاملين على مهن وأعمال أخرى، قد تكون أكثر مردودية وأفضل مكاسب مادية، وربما أكثر احتراما في وسط لا يقدر إلا المستوى المادي.
وخلاصة القول أنه بدون تحقق هذه الشروط الثلاثة، كاملة، فلا داعي للعناء والتكلف في أي إجراءات أخرى،
وإذا تحققت هذه الشروط الثلاثة كاملة، فيمكن أن نستبشر خيرا، وحينها يمكن الانطلاق في أمان إلى كثير من القرارات والإجراءات الأخرى المهمة والتفصيلات التي يضيق المقام عن ذكرها.