آراء وتحليلات

قراءة انطباعية في مسارات مؤسسة البلدية في موريتانيا (1) / محمد الأمجد ولد محمد الأمين السالم

 

طبع الفشل مسيرة مؤسسة البلدية في موريتانيا ولأننا نؤمل في رئيسنا الجديد محمد ولد الشيخ الغزواني إصلاح ماطبع مسيرة هذه المؤسسة الوطنية الهامة من فساد  نقول له لست مسؤولا عن  ذلك الفساد لأنه من الماضي السابق لعهدك  لكن إصلاحه وتغيير ه إلى الأحسن أصبح من مسؤوليتكم وإذا كان الموضوع طرق وطرق وكرر مرات فلا بأس إذفي الإعادة إفادة …وقديما قيل :ومن ترك التكرار لابد أن ينسى …

عرف النظام البلدي في موريتانيا بعد الاستقلال بسنة واحدة ففي سنة 1961 انتخب أول مجلس بلدي لمدينة أطار ورأسه المرحوم عبد الله ولد عبيد وفي عام 1963 تأسست بلدية انواكشوط التي اختير محمد ولد خيار رحمه الله عمدة لها غير إن النظام البلدي في بلادناظل ضعيف التأثير  سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ولغاية صدور الأمر القانوني

87 /289المنشيئ والمنظم للبلديات الموريتانية الصادر في 20اكتوبر1987

ويعتبر هذا الأمر أهم مرجع قانوني وإداري لمؤسسة البلدية في موريتانيا

فهو بمثابة نظاميها الداخلي والأساسي وهو يعرفها كالتالي :

البلدية محموعة ترابية  خاصعة لللقانون العام لها شخصية قانونية واستقلال مالي وتتمتع بميزانية وموظفين وممتلكات خاصة لممارسة الصلاحيات التي  يخولها اياها القانون

أما مجال عملها فتبينه المادة الثانية من هذا الأمر حيث تقول :تكلف البلدية بتسيير المصالح والمرافق العمومية التي تستجيب لحاجيات المواطنين المحليين والتي لا تخضع بطبيعتها أو بدرجة أهميتها لاختصاص الدولة وفي هذا الإطار فإن صلاحيات البلدية تشمل :

صيانة الطرق المحلية وبناء وصيانة المنشآت الصحية ومراكز حماية الأمومة والطفولة وتوفبر المياه والإنارة العمومية والنقل الحضري  والمدرسي ومكافحة الحرائق والصحة الوقائية وإزاحة القمامة وتنظيم الأسواق والمسالخ وبناء المنشآت الرياضية والثقافية وتسيير واستصلاح القطع الأرضية  …..

وباستقراء مؤسسة البلدية يمكن أن نعيد أسباب فشلها لجملة من العوامل من أهمها حسب تصوري :

أولا الفوضى القانونية : لقد اتسمت الصلاحيات التي حدد  المقرر87/289 للبلدية بالتداخل مع صلاحيات العديد من القطاعات  الوزارية  التي ظلت تهيمن على تلك الصلاحيات مع فشل المشرع الموريتاني المتمالئ مع الدولة   في حل معضلة ذلك التداخل قانونيا

ثانيا الاختيار السيئ للعمد والمجالس البلدية : أضع في الاعتبار عدم التعميم إذ أن بعض البلديات ( قليلة )حققت نجاحات شكلت استثناء من هذه القاعدة ومع ذلك فإن الأبعاد القبلية والتوازنان العرقية والجهوية والعلاقات الزبونية كانت  الحكم الفيصل في اختيار جل العمد والمجالس  البلدية في الاستحقاقات البلدية السابقة  وحين يظهر عمدة يغلب الهم الوطني على أحد هذه الأبعاد يكون –في الغالب — خارجا عن المألوف شاذا وقد يوصف بالجنون وقد تفرض عليه الاستقالة أو النكوص عن توجهاته الوطنية

ثالثا  القمامة تنتصر :تعتبر نظافة المدن والقرى من  اختصاص البلديات في جل دول العالم  ويعبر الفشل الذريع لبلديات موريتانيا في القضاء على القمامات ونظافة المدن والقرى عن أهم أ وجه  فشلها  العام ففي الوقت الذي تواجه الدول قمامات  المدن ونفاياتها  بسياسات علمية مدروسة تتمثل في شركات متخصصة في النظافة

نرى جل مدننا في حالة احتلال دائم من طرف أكوام القمامات ولعل هذا التحدي هو الذي فرض على الدولة مبادرات ارتجالية شعبوية  غريبة وغير متبعة عالميا مثل حملات تنظيف العاصمة انواكشوط الشعبية  التى شارك فيها جهاز الدولة بموظفيه وأعضاء حكومته قبل سنوات و كذلك الحملة الأخيرة التي قام بها قطاع القوات المسلحة .

إن كل ذلك يبرز فشل السياسات السابقة  في مواجهة أكوام القمامة التي أصبحت تحاصرالمواطن في الطرق وأمام المنازل وداخل الوزارات  رغم الأموال الطائلة التي تصرف لمؤسسات النظافة الوهمية  وهنا أذكر بالمثال السيئ المعبر عن سوء التخطيط وسوء التقدير والزبونية في عاصمتنا الاقتصادية انواذيبوحيث أخذت منطقة انواذيبو الحرة الفاشلة صلاحية النظافة من البلدية وهي سابقة غير معروفة دوليا  وبعد فترة وجيزة من هذا القرار المرتجل غرقت المدينة في بحور من القمامة مازالت تسبح فيها

ومن الغريب الدال على أننا متخصصون في وأد كل ماهو ايجابي و استبدال الأحسن بالأسوإ أن بلدية انواذيبو في المأ مورية الأولى للسيد القاسم ولد بلالي قضت على القمامة في مجالها الحضري فأصبحت عاصمتنا الاقتصادية  مدينة نظيفة

وقد شهد القاصي والداني بذلك كما حققت نجاحات معتبرة   في مجالات الصحة والتعليم  والشؤون الاجتماعية وذلك رغم ضعف وسائلها  مقارنة مع وسائل المنطقة الحرة الضخمة

لقد كان من الأحسن للدولة والإدارة أن تبني على ما حققت بلدية انواذيبو من إنجازات فتعطي العمدة نفس صلاحياته السابقة وتمنع الإدارة والمنطقة الحرة من محاصرة البلدية وتعطيها  صلاحياتها كاملة   ليتحقق التراكم الايجابي بعيدا عن السياسة التي يجب أن تنتهي روابطها الضيقة  وتصفيات حساباتها بمجرد انتهاء  التصويت وإعلان النتائج وهذا المبدأالسياسي العادل  هو الذي  صرح به القرآن الكريم في قوله تعالى 🙁 ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين  لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أ لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون  ) وقد كان هذا النص القرآني السامي الذي يمثل قمة العدل السياسي حتى مع الخصم سببا في إسلام العديد من المفكرين الغربيين كما أنه هو المبدأ الذي يتعامل به الغرب في مؤسساته الديمقراطية الخاصة به

رابعا ميزانيات وهمية وجبايات فوضوية :اتسمت ميزانيات جل البلديات في موريتانيا بأنها ميزانيات وهمية لا تتجاوز في جلها أرقاما مبنية على توقعات غير قابلة للتحقق مع نظام جبائيي فوضوي يعتمد ابتزاز المواطن وإثقال كاهله بضرائب غير معقلنةإضافة إلى ما يثقل كاهل البلديات عادة من عمالة كثيرة تفتقر إلى المهارة والخبرة

خامسا غياب التخطيط :من أسباب فشل جل البلديات الموريتانية غياب التخطيط   الذي يحدد الوسائل والأهداف  ويسعى لتحقيق نتائج محددة

إن كل هذه العوامل تعبر عن جوهر المشكل الذي هو غياب المثال أو النموذج البلدي الذي تسعى الدولة الموريتانية لبنائه

وفي اعتقادي أن الدولة الموريتانية منذ تنظيم أول استحقاقات بلدية سنة ولغاية الاستحقاقات الأخيرة إنما كانت تطبق جزءا من لعبة ترى أنها عنصرا من شكلية ديمقراطية فرضت من الخارج   وليست جزءا من مشروع مجتمعي شامل   خارج من رحم التطور الطبيعي للدولة والمجتمع    وهذه اللعبة  تشمل عناصر عديدة منها الأحزاب والصحافة الحرة والنقابات وغيرها من المؤسسات  الديمقراطية الشكلية التي يعاني جلها من فشل بنيوي لأنها وأكررها مرة أخرى :تأسست لتستجيب لشعار   “السلاكه من الغرب ”  و”السلاكه من الغرب فقط”

ويعلق الموريتانيون اليوم على الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني آمالا عريضة في إحداث تغيير ايجابي كبير تأخذ فيه موريتانيا  مسار البناء الواعي واستغلال القدرات  الاقتصادية والبشرية التي يملكها الشعب  الموريتاني العظيم

تغيير حقيقي يحول الركام والحطام والشكليات الإدارية والسياسية إلى مؤسسات حقيقية تخطط وتنجز

يتواصل


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى